دقّ تقرير “لانسيت كاونتداون” لعام 2025 ناقوس الخطر بشأن التهديدات الصحية المتصاعدة الناجمة عن التغير المناخي، مبرزا أن المغرب من بين الدول الأكثر تأثرا بموجات الحر والجفاف وارتفاع معدلات الوفيات المرتبطة بالحرارة خلال العقد الأخير. ويأتي هذا التحذير في وقتٍ يواصل فيه العالم تسجيل مستويات قياسية في الانبعاثات الحرارية وتراجع الالتزامات الدولية لمكافحة التغير المناخي.

وأشار التقرير، الذي شارك في إعداده 128 خبيرا من مختلف التخصصات، إلى أن المغرب شهد ما بين 20 و25 يوما إضافيا من موجات الحر سنويا خلال الفترة ما بين 2020 و2024، مقارنة بما كان سيكون عليه الوضع في غياب التغير المناخي.

ويعني ذلك أن تعرض المغاربة لمخاطر الحرارة الشديدة ازداد بوتيرة ملحوظة، مع ما يرافق ذلك من آثار على الصحة العامة، خصوصا بين كبار السن والعمال في الهواء الطلق وسكان المدن الكبرى.

حسب معطيات التقرير، تتراوح نسبة الوفيات المرتبطة بالحرارة في المغرب بين 3 في المائة و3.25 في المائة من مجموع الوفيات السنوية خلال الفترة الممتدة بين 2012 و2021؛ وهي من أعلى النسب المسجّلة عالميا.

وحذّر الخبراء من أن استمرار موجات الحر الحادة، إلى جانب محدودية البنية التحتية الصحية في بعض المناطق، قد يؤدي إلى ارتفاع إضافي في الوفيات المرتبطة بالإجهاد الحراري وأمراض القلب والتنفس.

كما أبرز التقرير تفاوتا جغرافيا واضحا في آثار الجفاف بالمغرب، إذ سجلت المناطق الشمالية والوسطى ما بين 6 و9 أشهر من الجفاف الشديد خلال عام 2024؛ بينما عانت الجهات الجنوبية من جفاف دام ما بين 10 أشهر و12 شهرا، ما يجعلها من أكثر المناطق تأثرا عالميا.

هذا الوضع، وفق خبراء لانسيت كاونتداون، يهدد الأمن المائي والزراعي في المملكة، خصوصا في ظل انخفاض منسوب السدود وتراجع تساقطات الأمطار وتزايد الطلب على الموارد المائية.

في الشق المتعلق بالتخطيط الحضري، أشار التقرير إلى أن المدن المغربية الكبرى تسجّل مستويات منخفضة إلى متوسطة من الغطاء النباتي الحضري، إذ تراوحت مؤشرات المساحات الخضراء بين 0.30 و0.49؛ ما يجعلها أقل قدرة على التخفيف من آثار الحرارة.

أما المساحات المائية داخل المدن مثل الأنهار أو السواحل أو البحيرات فهي شبه غائبة في معظم الحواضر المغربية، حيث تظهر باللون الأحمر أو البنفسجي على خرائط التقرير؛ ما يعكس محدودية دورها في تلطيف المناخ الحضري ومواجهة الجزر الحرارية.

وعلى الرغم من أن متوسط التعرض العالمي لحرائق الغابات تراجع من 28 إلى 23 يوما للفرد الواحد خلال العقدين الأخيرين، فإن التقرير يسجل زيادة في أيام الخطر المرتفع جدا لحرائق الغابات في شمال المغرب، إلى جانب شمال الجزائر وأجزاء من أوروبا المطلة على المتوسط.

ويعزو الخبراء ذلك إلى تأثيرات ارتفاع درجات الحرارة وتغير استخدام الأراضي وتراجع الغطاء النباتي الطبيعي؛ ما يجعل المناطق الجبلية والغابات المغربية في وضع هشّ أمام خطر الحرائق الموسمية.

على الصعيد العالمي، أدت درجات الحرارة المرتفعة وتزايد عدد السكان المعرضين للخطر إلى ارتفاع الوفيات المرتبطة بالحرارة بنسبة 63 في المائة منذ التسعينيات، لتصل إلى ما يقارب 546 ألف وفاة سنويا خلال الفترة 20122021.

كما أثّر التعرض للحرارة على القدرة البدنية والإنتاجية وجودة النوم والصحة النفسية، وهو ما ينذر بعواقب اقتصادية واجتماعية في الدول الأكثر هشاشة مناخيا؛ من ضمنها المغرب.

وخلص تقرير “لانسيت كاونتداون 2025” إلى أن التحدي بات يتجاوز البعد البيئي نحو تهديد مباشر لصحة الإنسان واستقرار الاقتصادات، داعيا الدول، خاصة الواقعة في حوض البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا، إلى تسريع الانتقال الطاقي، وتوسيع الغطاء النباتي وتحسين أنظمة الإنذار المبكر لموجات الحر والجفاف.

وفي السياق المغربي، سجل التقرير أن الاستثمار في البنية التحتية الخضراء والصحة الوقائية أصبح أولوية وطنية لضمان التكيف مع التحولات المناخية التي تتسارع وتيرتها سنة بعد أخرى.

المصدر: هسبريس

شاركها.