حذرت منظمة Greenpeace Middle East and North Africa في تقرير دولي جديد من أن انتقال الطاقة في كل من المغرب وتونس ومصر يسير نحو تعزيز مصالح المستثمرين الدوليين والأسواق الأوروبية، بدلا من تحقيق مكاسب ملموسة للساكنة المحلية أو تعزيز سيادة الدول على مواردها. وأوضح التقرير، الصادر بعنوان “من أمن الطاقة إلى السيادة: مسارات الانتقال العادل في مصر وتونس والمغرب”، أن مشاريع الطاقة المتجددة التي تشهدها المنطقة لا تزال خاضعة لمنطق الربح والأسواق الخارجية، ما يعيد إنتاج اختلالات القوة نفسها التي طبعت عقود الاعتماد على الوقود الأحفوري.

وسجل التقرير اعتمادا واسعا على مستثمرين أجانب ومؤسسات مالية دولية تتحكم في التوجهات الاستراتيجية، رغم تطور التكنولوجيا وارتفاع الطموحات الوطنية.

وكشف التقرير أن تغير التكنولوجيا لا يعني بالضرورة تغيرا في موازين القوة، إذ تواصل أوروبا تحديد جزء كبير من أهداف الإنتاج، خصوصا في مشاريع الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية والريحية الموجهة نحو التصدير.

وقدم التقرير قياسا جديدا لسيادة الطاقة اعتمد من خلاله تقييما لمدى تحكم الدول الثلاث في مواردها، إذ حصل المغرب على 5.5 من 10، ومصر على 4.5، وتونس على 4.25. وخلص القياس إلى أن أكبر نقاط الضعف تتمثل في ضعف السيطرة على الموارد وفي محدودية استقلال القرار الطاقي نتيجة ارتباط البرامج الوطنية بشروط صندوق النقد الدولي وتمويلات خارجية.

وأشار التقرير إلى أن مشاريع الطاقة الكبرى، ولا سيما في المغرب ومصر، تصمم أساسا لتلبية احتياجات السوق الأوروبية، رغم ما يترتب عن ذلك من ضغوط على الموارد المحلية من أراض ومياه.

وأكد أن هذا التوجه يهدد بتحويل بعض المناطق إلى “مناطق تضحية خضراء” لا تجني فيها المجتمعات سوى فوائد محدودة، فيما تنتقل الأرباح والتقنيات إلى خارج المنطقة.

وبينما تمتلك دول شمال إفريقيا إمكانات هائلة في الطاقة الشمسية والريحية، أكد التقرير أن المنطقة ما تزال معتمدة بشكل كبير على الوقود الأحفوري، إذ يوفر 91% من الطاقة في المغرب و94% في مصر و88% في تونس.

واعتبر التقرير أن استمرار الاعتماد على الغاز في مصر، وعلى الواردات في تونس، وعلى الفحم في المغرب، يبطئ المسار نحو سيادة طاقية حقيقية.

وأوضح التقرير أن اعتماد ما يسميه “الحلول الزائفة”، مثل تقنيات التقاط الكربون، والهيدروجين الأزرق، وإعادة تقديم شركات النفط لنفسها باعتبارها فاعلا أخضر، يعرقل بناء نموذج انتقالي عادل.

كما تنتج العقود من نوع BOO وPPP بنية مالية تضمن أرباحا مستقرة لشركات أجنبية، بينما تهمش المنافع الاجتماعية والبيئية.

وسجل التقرير فجوة كبيرة بين الوعود والمكتسبات الفعلية، إذ لا تحصل المجتمعات المحلية إلا على ما بين واحد وثلاثة سنتات من كل دولار يولده نشاط الوقود الأحفوري، فيما لا توفر مشاريع الطاقة المتجددة الضخمة أي آليات جدية للمشاركة المجتمعية أو التملك المحلي أو اقتسام الأرباح.

وفي المقابل، أكد التقرير أن النماذج اللامركزية مثل الطاقة الشمسية فوق الأسطح، والمجالات الزراعية الشمسية، والتعاونيات الطاقية، والشبكات الصغيرة، تمثل المسار الأقوى لتعزيز السيادة المحلية، لكنها تظل هامشية مقارنة بمشاريع التصدير.

وشدد التقرير على أن العدالة الطاقية تقتضي إدماج آليات إلزامية تضمن استفادة السكان، عبر تخصيص حد أدنى من الإنتاج للاستهلاك المحلي، وتوجيه جزء من عائدات المشاريع لصناديق مجتمعية، وتبني قواعد حازمة للشفافية والمساءلة.

كما دعا إلى تفعيل آليات “الملوث يدفع” وإلى استخدام الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول التزامات الدول بخصوص المناخ، لفرض التزامات قانونية على الشركات الكبرى والدول الصناعية المسؤولة تاريخيًا عن الأضرار المناخية.

واختتم التقرير بالتأكيد على أن شمال إفريقيا قادر على تحقيق أمنه الطاقي والوصول إلى أهدافه المناخية، شرط أن يجعل السيادة والمساءلة والعدالة الاجتماعية في صلب عملية الانتقال، بدل ترك مستقبل الطاقة رهينًا بالفاعلين الخارجيين.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.