تقرير المجلس الأعلى للحسابات يلقي حجرا ثقيلا في بركة السياسة بالمغرب
“تحركات سياسية”، و”أخذ ورد بين الفرقاء السياسيين” أهم ما يميز المشهد السياسي الوطني في الوقت الراهن، حيث اعتبر مراقبون الأمر دينامية سياسية ملحوظة بعد فترة من الجمود”؛ في حين أن آخرين قللوا من أهميته، ناظرين إليه على أنه “مجرد نقاش أفراد لا نقاش أفكار”.
وبالعودة إلى صلب الموضوع، دفع تقرير المجلس الأعلى للحسابات بعض زعماء الأحزاب السياسية، خصوصا في جانب المعارضة، إلى الكشف عن تصريحات سياسية خلقت نقاشا حول الطريقة التي تشتغل بها الأحزاب في إعداد الدراسات وتدبير الدعم الذي تستفيد منه من الدولة. وعلى صعيد ثان، لم يكن موضوع تعديل مدونة الأسرة ليمر بدون أن يعلق عليه مسؤولون حزبيون.
وانطلقت سلسلة تصريحات بين هؤلاء، خصوصا بين كل من عبد الإله بنكيران وإدريس لشكر ورشيد حموني؛ ما حرك المشهد السياسي من جديد وأعاد إليه نوعا من الدينامية والحيوية، تزامنا مع منتصف الولاية الحكومية والفترة بين دورتي البرلمان، ومباشرة بعد عزم المعارضة بهدف الإطاحة بالأغلبية.
“خرجات فاقدة للمعنى”
محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أكد أن “مختلف الخرجات الأخيرة والخطابات الأخيرة للقادة السياسيين المغاربة يصعب أن نقرأها على أنها بوادر مرحلة أفضل في السياسة الوطنية، بل تبقى في معظمها خرجات لا ترقى إلى المستوى المطلوب في الفعل السياسي، حيث يظل من الوهم الاعتقاد أن هذه التحركات الأخيرة بإمكانها إصلاح الضوع برمته”.
وبيّن الغالي، في تصريح لهسبريس، أن “هذه التحركات لا يمكن أن نقرأها بمعزل عن آخر تقرير للمجلس للحسابات الذي لم يكن مبشرا بالخير، على اعتبار أن هذه الأحزاب، التي تتناقش فيما بينها اليوم، لم توظف الميزانية المرصودة لها من قبل الدولة في إنجاز ما رصدت من أجله؛ بالتالي عليها أولا أن تبرئ ذمتها في هذا الإطار قبل أن تأخذ في التنظير لما يمكن القيام به”.
المتحدث عرج كذلك على موضوع عزم أحزاب المعارضة التقدم بملتمس رقابة ضد الأغلبية الحكومية، حيث أشار إلى أن “هذا الإجراء يجب أن يكون أولا مسنودا على أساس قانوني، إلى جانب أساس سياسي كذلك؛ فالسؤال المطروح هنا هو هل هذه المعارضة تمتلك المادة التي ستساهم في إقناع الآخرين من الأغلبية ذاتها، ما دام أنها لا تتوفر على ما يكفيها قانونيا من أجل تأكيد الإجراء؟”.
وزاد الأستاذ الجامعي: “الوصول إلى مرحلة الإصرار على تقديم ملتمس الرقابة يعني أن هذه الأحزاب التي تشكل المعارضة استنفدت جميع الحلول التي يضمنها الدستور، وأنها فعليا في حاجة إلى اللجوء إلى هذا الإجراء الذي يعني في نهاية المطاف الإقبال على مرحلة جديدة في علاقة الحكومة بالمعارضة”، مبرزا “الحاجة الملحة إلى مبادرات حزبية ذات عمق سياسي بعيدا عن التحركات المحدودة للفرقاء السياسيين والتي تكتسي طابع الدعاية في الغالب”.
في الحاجة إلى حراك سياسي
رشيد لزرق، باحث في العلوم السياسية رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات المتقدمة، اعتبر أن “التحركات الأخيرة هي تحرك من الفرقاء السياسيين أكثر من تحرك السياسة، ما دام أنه لا توجد هنالك مبادرات سياسية بإمكانها أن تقدم الجديد للمغاربة وتلامس تطلعاتهم وتعمل على تحريك المياه الراكدة للقضايا المصيرية، سواء سياسية كانت أم اقتصادية أم اجتماعية”.
وأكد لزرق، في تصريح لهسبريس، أن “المجتمع المغربي يظل بحاجة إلى حراك سياسي ومعارضاتي، على اعتبار أننا اليوم أمام فراغ فيما يتعلق بأداء المعارضة، حيث نظل كذلك أمام معارضين غير حقيقيين لا يبذلون جهدا في التصدي لمختلف السياسات التي تظهر على أنها غير عقلانية، بالاستناد إلى الإمكانات التي تمنحها النصوص القانونية، سواء الدستور أو الأنظمة الداخلية لمجلسي النواب أو المستشارين”.
المتحدث أثار كذلك “التقرير الذي أفرج عنه المجلس الأعلى للحسابات، والخاص بمالية الأحزاب والطريق التي يسلكها الدعم الذي تتحصل عليه هذه الأحزاب من الدولة؛ وهو الأمر الذي لا يمكن أن نفصله عن جودة النخب والتنظيمات السياسية بالبلاد، وهو ما لا يمكن تصنيفه إلا في خانة الفساد، على الرغم من أن مؤسسات الدولة المكلفة دخلت على الخط”، لافتا إلى أن “النسق السياسي الوطني بحاجة إلى دماء سياسية جديدة تطرح القضايا السياسية الملحة على طاولة النقاش المؤسساتي”.
المصدر: هسبريس