تفشي “الأمراض المناخية” يتطلب اعتماد سياسة صحية مرنة في المغرب
رويدا رويدا يدخل المغرب نادي الدول المتأثرة بالتغيرات المناخية، إذ تعيش البلاد في الوقت الراهن في الجانب البيئي مرحلة عادة ما توصف بالعصيبة، على اعتبار أن الجفاف ظل ضيفا مستقرا بالمملكة خلال آخر ست سنوات، الأمر الذي بات يثير المخاوف مما يخبئه المستقبل.
وإذا كانت التهديدات على مستوى الأمن المائي والغذائي، التي تطرحها هذه التغيرات المناخية من المسلمات، فإن هذا التقلب المناخي يؤثر كذلك على الصحة العمومية، إذ يكون مؤديا إلى ظهور أمراض جديدة تنتشر بسلاسة بين الأفراد.
وبسط خبراء في المجال الصحي، ممن تحدثوا إلى هسبريس، مجمل تداعيات التغير المناخي على صحة الأفراد، إذ أكدوا أن هذا التغير “يكون سببا مباشرا في بروز عدد من الأمراض التي تمس الأمن الصحي للمواطنين”، مبرزين أن “المطلوب هو التوجه نحو سياسة صحية أكثر تكيفا مع هذا الواقع”.
تأثيرات واقعية
الطيب حمضي، طبيب وباحث في النظم الصحية، قال إن “التغيرات المناخية تؤدي عادة على المستوى العالمي إلى وفاة حوالي 150 ألف إنسان سنويا، ذلك أنه في آخر أربع سنوات توفي 4 ملايين فرد بفعل تداعيات هذه التغيرات التي طالت معظم دول العالم، فعلى سبيل المثال تفتك موجات الحرارة بعشرات الآلاف من سكان العالم، وقد أودت بحياة أزيد من 60 ألف شخص بأوروبا وحدها خلال سنة 2022”.
وأضاف حمضي، في تصريح لهسبريس، أن “التغير المناخي يؤدي إلى جعل الهواء مليئا بالغبار والجزئيات الصغيرة، مما يزيد من نسب الإصابة بالربو وحساسية الصدر وعدة امراض صدرية أخرى، فضلا عن كونه يؤثر بشكل سلبي على الأمن الغذائي بشكل لا تكون فيه التغذية كافية”، مشيرا إلى “كون هذا السياق يؤدي كذلك إلى تكاثر الميكروبات على مستوى المواد الغذائية، خصوصا منها الفلاحية التي تصير ناقلة لها”.
وسجل الباحث في النظم الصحية أن “تقلب الطقس والمناخ ينتج عنه كذلك ارتفاع نسب انتشار الأمراض من الحيوان إلى الإنسان، كما يؤدي إلى ازدياد نسب تركز الميكروبات والعناصر الكيماوية على مستوى المياه السطحية والجوفية بشكل يجعلها ملوثة وغير صالحة للاستهلاك”، كاشفا أن “هذه التطورات المناخية جعلت دولا تعرف أمراضا متناقلة عن طريق الحشرات كالملاريا”.
وأفاد أن “الصحة العقلية والنفسية للأفراد تتأثر كذلك بالاضطرابات الطارئة على مستوى المناخ، إذ يدخل عدد من الأفراد بالعالم في حالات نفسية مضطربة”، مشددا على “ضرورة تكوين المهنيين الصحيين بشكل أكثر عمقا، مع تكييف البنى التحتية للمنظومة الصحية مع التغيرات المناخية من خلال اعتماد برامج لإدارة الأزمات الصحية”.
السياسة المتكيفة
الخبير الصحي محمد اعريوة قال إن “التغيرات المناخية أصبحت واقعا في العالم كله، غير أننا في المغرب لم نصل بعد إلى الحديث عن ظواهر صحية مرتبطة بهذه التغيرات الطارئة على مستوى الطقس، على اعتبار أنه حتى العدوى المنتشرة حاليا مرتبطة أساسا بالأنفلونزا الموسمية التي ترتبط في جوهرها بموسم البرد”.
وأضاف اعريوة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “درجات الحرارة المفرطة تبقى في الغالب من أبرز مظاهر هذا التقلب المناخي، إذ تؤثر بشكل فعلي على صحة الإنسان وتتسبب في وفاة الأفراد كما نرى كل سنة بأوروبا، فهي تبقى ذات تأثير سلبي على الصحة العامة داخل أي دولة”.
وأوضح أن “المطلوب اليوم هو الوعي بشكل واضح بحجم هذا التغير على مستوى المناخ، والذي يهم الإنسان كذلك في بنيته الصحية”، مشيرا إلى “ضرورة التفكير في سياسة صحية متكيفة مع الوسط الطبيعي، فضلا عن المرور إلى تربية صحية على المستوى الوطني تحديدا”.
وبخصوص جاهزية الأطر الصحية الوطنية لما يمكن أن يترتب عن هذا التغير المناخي، أكد الخبير الصحي ذاته أن “هذه الأطر تلقت بالفعل تكوينا في هذا الإطار، مما سيمكنها من التعامل مع أي جديد بالمملكة”، منبها إلى كون “عدد من الأمراض تأتي أساسا من سوء الاستغلال البشري للطبيعة”.
المصدر: هسبريس