تعلّم مخاطبة السلطان .. والعناد لا ينفع مع المغاربة
أنا الماريشال ليوطي وصلت إلى المغرب منذ 120 سنة وعرفت مجتمعه وتقاليد حكمه وربيت نخبة وفية لنا فيه ووضعت أسس الحفاظ على مصالحنا فيه، لذلك يحق لي سيدي الرئيس الشاب إيمانويل ماكرون توجيهكم لما في خير فرنسا.
سيدي رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكِرون، توقعتم أن يستنجد بكم سلطان المغرب بعد زلزال مراكش ولم يفعل. عزيزي ماكِرون، اقرأ مذكراتي لتعرف كيف تخاطب السلطان.
سيدي الرئيس الشاب، تصلك هذه الرسالة بعد قرن من كتابتها من سياسي فرنسي وطني عمل في الميدان للسيطرة على المغرب الذي تمكن سياسيوه من تأخير الاحتلال لأطول وقت ممكن عن طريق ضرب إسبانيا بفرنسا وضرب فرنسا بألمانيا. لقد تمكن المغاربة من بث الفرقة بين خصومهم الطماعين بسهولة حتى اضطر الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت للتوسط في مؤتمر الخزيرات.
سيدي الرئيس الشاب الذي لم يقرأني بعد، بدأت كتابة مذكراتي هكذا:
“إن كل مصدر كل السلط، هنا، هي عند «سيدنا» (أقصد السلطان يوسف بن الحسن جد الحسن الثاني)، الحاضر رمزيا معنا من خلال مبعوثه الخاص الصدر الأعظم وأعضاء مخزنه المبجل؛ وسلطته الدينية وسلطته السياسية تمتدان على كامل التراب الإمبراطوري الشريفي، من خلال الباشوات والقياد الحاضرين معنا هذه الليلة”.
لقد مدح الأمير شكيب أسلان أسلوبي في احتلال المغرب، مع إظهار كل الاحترام للسلطان لتجنب غضب المغاربة. وهذا ما حرره اللعين شكيب أرسلان واستشهد به باحثنا الموضوعي بيير فيرمن Pierre Vermeren في مقال له عن شخصي العظيم.
سيدي الرئيس،
تصلك هذه الرسالة بعد قرن من كتابتها لتوضح لك أنه لما وصلتُ إلى المغرب كان الهيبة ماء العينين مع والده في فاس، ثم ورثه في مدينة تيزنيت، ثم حاربنا في مراكش، وقرر التوجه إلى محاربتنا في فاس العاصمة، وليس في وادي الذهب والساقية الحمراء.
يعتبر الهيبة ماء العينين أول من حاربنا من أجل فاس، ثم قرر عبد الكريم الخطابي التوجه إلى فاس عاصمة المغرب التي نقلتها إلى الرباط لكي يبرد الغضب المغربي.
لقد وحد الشيخ الهيبة القبائل لمواجهة المد الاستعماري الفرنسي في المغرب؛ جاء من الصحراء ليحكم في فاس.. لا يعتبر عيون الساقية الحمراء عاصمة.
بسبب ثورة القبائل التي جندها الهيبة ماء العينين نقلتُ 50000 عسكري من باريس إلى المغرب.
جاء ماء العينين لمحاربتنا. فماذا جرى؟.
لقد جعلنا القياد الكلاويين وكندافة يتصالحون ويحاربون الهيبة، لكن القبائل الجنوبية كانت في صف ماء العينين. وقعت الحرب في الجنوب لأن قبائل جنوب المغرب أغنى وأكثر عددا من قبائل الشمال. لم يزدهر شمال المغرب إلا بعد أن طُرِد الموريسكيون من إسبانيا.
تؤرخ الأغنية الشعبية للحرب ضدنا في مراكش:
غوتت الشلحة في الجبال
دارتها نوضة وزغاريت
بين الجبال وبين الطرقان
وفي ساعة ولات غمام
ورا الصابرا ولات حرير
وفين يومك آبن جرير؟
ياك الغبرا والكور يطير
وفين يومك آ لاربعا
كان موسم ولى حركة
لا خزانة لا عود بقى
وفين يومك آبو عثمان
اكدات النار بلا دخان
ورا الطراب شك بلعمان
وراه العسكر حابس البيبان.
نادت الشلحة أي الأمازيغية فهب المغاربة للحرب، لكن هزمناهم وحبسناهم زمنا. استولينا على مراكش وخاصة قصر الباهية الذي زينه السلطان بالزليج والجبس والحدائق وجعلناه نحن الفرنسيين مقرا لنا، لكن هذا زمن مضى.
من حسن الحظ أن السينمائيين المغاربة لا يعرفون هذه القصة وإلا لكانوا صوروها.
تذكر عزيزي ماكِرون أن هدف ماء العينين من الحرب هو استرجاع فاس العاصمة المغربية، لم تكن لأي من الخطابي أو ماء العينين عاصمة له. أكتب هذا وأنا شاهد عيان، وأنت رئيس “عيّان”.
سيدي الرئيس، لقد وقعت معاهدة الحماية في فاس في مارس 1912، وبعد خمسة أشهر قاد الهيبة المقاومة بمراكش في سبتمبر 1912. واضحة العلاقة بين السبب والنتيجة، بين مراكش وفاس.
يتضح المشهد دفعة واحدة بوضع حدث المقاومة في سياقه.
لم أطلب إنا الماريشال ليوطي من ماء العنين العودة للعيون ولا لوادي الذهب، ولا طلبت من الخطابي العودة إلى الحسيمة؛ كانا يحاربان من أجل المغرب. كان الشيخ الهيبة ماء العينين يدعم المقاومة في شمال المغرب، وهو حين خسر لم يذهب إلى الكركرات، بل ذهب إلى القبائل الأمازيغية في أكردوس، حيث أرسلت جاسوسي وسمّمه.
حرر الهيبة مراكش سنة 1912 وتوجه إلى فاس لتحريرها من فرنسا. في 1925 انتصر الخطابي في الريف وخطط لتحرير كل المغرب وخطط للتوجه إلى فاس، وهو ما تسبب في فقداني منصبي.
دام استعمار المغرب أي حمايته 44 سنة، منها 27 سنة حرب لاحتلال البلد، والباقي 17 سنة. هذا رقم يفسر كل شيء.
سيدي الرئيس الذي سينهي الجمهورية الخامسة، أنا الماريشال ليوطي لم أسمع قط بالصحراء الغربية. حتى الهيبة ماء العينين عدوي لم يسمع بها قط. في غوغل يكتبون عن الهيبة أنه ولد في إقليم “الصحراء الغربية”، بينما عاش طويلا في تيزنيت وفاس وحارب في مراكش؛ كان والده يكوّنه في فاس ويحضّره لمهمة في مكان محدد، وهي أن يحارب فرنسا. ولدي ماكرون، لا يمكن لشخص ليس له أطفال أن يفكر في المستقبل بشكل صحيح.
سيدي رئيس الجمهورية الفرنسية التي كانت عظيمة، لقد تفوق عليك ملك إسبانيا إستراتيجيا، فعندما تقول إسبانيا وهي المستعمر السابق إن إيفني وطرفاية والعيون والداخلة مغربية فما دخلك أنت؟.
سيدي الرئيس يكفي أن تقر بأنه لا دخل لك وبأن إسبانيا على حق وستستقبل في الرباط، حيث يتحكم التخطيط العقلاني وليس العناد.
وفي انتظار قراركم سيدي الرئيس، تقبلوا فائق تقديري.
رسالة أملتها روحي وحررها وترجمها محمد بنعزيز.
المصدر: هسبريس