أثار تدخل لرئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية عبد الله بوانو، خلال الجسلة االتشريعية العامة المنعقدة اليوم الثلاثاء، نقاشا دستوريا حادا حول أحقية النواب في إدخال تعديلات على مشاريع القوانين الرامية إلى المصادقة على المراسيم بقوانين، وفيما استند بوانو ومؤيدوه على مقتضيات وقرارات صادرة عن المحكمة الدستورية لتأكيد حق النواب في التعديل، تمسك باقي الفرق البرلمانية بالنص الدستوري باعتباره المرجع في تحديد حدود هذا الحق، بينما أشار رئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي إلى أن هناك مشكلة في المحكمة الدستورية.

واستهل رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، عبد الله بوانو، تدخله بالتأكيد على أن نقاش حق التعديل على مراسيم القوانين يكفله الدستور وقرارات المحكمة الدستورية، موضحا أن المجلس لا يعدل المرسوم ذاته، وإنما هو أمام مشروع قانون، مما يمنح النواب حق إدخال تعديلات عليه. مستندا بوانو إلى الفصل 83 من الدستور، الذي ينص على أن “لأعضاء مجلسي البرلمان وللحكومة حق التعديل، وغلى إلى المادة 189 من النظام الداخلي المجلس النواب، التي تخول بدورها هذا الحق للنواب.

يشار إلى مناسبة النقاش كانت هي المصادقة مشروع قانون رقم 23.25 يقضي بالمصادقة على المرسوم بقانون رقم 2.25.168 الصادر في 27 من رمضان 1446 (28 مارس 2025) بتتميم القانون رقم 47.18 المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وبإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار.

وأبرز بوانو أن البحث في الموضوع أظهر وجود ثلاثة قرارات صادرة عن المحكمة الدستورية تعزز موقفه. القرار الأول رقم 829/12، المتعلق بمادتين من النظام الداخلي، هما المادة 106 والمادة 220. وأكد أن القرار بخصوص المادة 106 نص على أن ما تتضمنه من أن تصويت اللجنة يتم على كل تعديل على حدة ثم على المادة كما عُدلت ليس فيه ما يخالف الدستور، مع اعتبار أن دور اللجان الدائمة ينحصر في دراسة مشاريع ومقترحات القوانين ودراسة التعديلات المقترحة عليها من طرف الحكومة أو النواب، ثم عرضها في جلسة عمومية على مجلس النواب، الذي له وحده حق البت بالقبول أو الرفض، دون تمييز بين مشروع أو مقترح قانون.

وأضاف بوانو أن القرار نفسه تناول المادة 22 من النظام الداخلي، حيث أكدت المحكمة الدستورية أن النص القائل باعتبار كل اقتراح بالإضافة أو التغيير أو التتميم أو الحذف أو إعادة ترتيب يهم فقرة أو مادة من مواد النص المعروض على المناقشة بمثابة تعديل، لا يخالف الدستور. وبيّن أن المحكمة اعتبرت الحالات الواردة على سبيل المثال لا الحصر، مما يعني أن النواب يحتفظون بحقهم في إدخال التعديلات متى تعلق الأمر بمشروع قانون، بما في ذلك القوانين المصادقة على المراسيم.

واسترسل بوانو مستشهداً بالقرار رقم 93/19 الصادر عن المحكمة الدستورية بشأن المادة 254، التي تتعلق بمشاريع القوانين المصادقة على مراسيم القوانين. موردا نص منطوق القرار الذي أكد أن الدستور في الفصل 80 ينص على إحالة مشاريع ومقترحات القوانين إلى اللجان التي في عملها بين الدورات، وأن القاعدة الواردة في الفصل عامة وتشمل حتى مشاريع المصادقة على المراسيم، ما يجعل استثناء إحالة هذه المشاريع على اللجان قبل عرضها على الجلسة العامة غير مطابق للدستور.

الفضاء غير مناسب

وأكد رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية أن هذه القواعد الصادرة عن القضاء الدستوري توضح أن مشاريع القوانين المصادقة على المراسيم بقوانين تعامل كغيرها من مشاريع القوانين الأخرى، وتخضع لنفس المسطرة التشريعية بما فيها إمكانية إدخال التعديلات، موضحا أن التعديلات المقدمة من مجموعته لا تمس نصوص المرسوم بقانون كما ورد، بل تضيف مواد أخرى أو تعدل نصوصاً ضمن مشروع القانون الحالي، مما يجعلها قانونية ودستورية، داعيا رئيس المجلس إلى السماح للنواب بتقديم تعديلاتهم على النص رقم 23.25 قبل المصادقة عليه برمته، وترك الأغلبية والحكومة يقرران في شأنها كما يشاءان.

الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، مصطفى بايتاش، من أكد أن الوقت الحالي ليس مناسباً لمناقشة، مشيراً إلى أن هذه المسائل تخص مختلف مراسيم القوانين التي ستُطرح للنقاش لاحقاً، وأنه أن من الأفضل أن تُناقش هذه القضايا في إطار فضاءات أخرى متاحة للنقاش ضمن النظام الداخلي للمجلس، مما يتيح فرصة للاستفاضة والتعمق في الموضوع بعيداً عن جدول أعمال الجلسة الحالية.

من جانبه، دعم عضو الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية عادل باعزيز موقف بوانو، معتبراً أن مناسبة التعديل هي عند عرض مشروع القانون للمصادقة وليس عند إصدار المرسوم بقانون، الذي يعتبر استثناء منح للحكومة لطبيعته الاستعجالية، مؤكداً أن الجلسة العامة صاحبة الاختصاص في التشريع، وأن تعديل مشروع القانون الحالي حق دستوري مخول للنواب.

أما رئيس الفريق الحركي إدريس السنتيسي فاعتبر أن النقاش المثار اليوم يدخل في نطاق ما سماه “النقاط الفقهية” التي لم يعالجها النظام الداخلي للبرلمان بالشكل الكافي، موضحاً أن الإشكال المطروح بشأن مراسيم القوانين هو واحد من هذه القضايا، معتبرا أن أسمى وأفضل فضاء لمناقشة المواضيع الحساسة هو قاعة المجلس بحضور جميع الأعضاء، نظرا إلى قدسية هذا الفضاء الذي يُعنى بتفسير القوانين واتخاذ القرارات المناسبة.

وأضاف أن ما طرح يعكس إشكالاً في تدبير موضوع اللجان، خصوصاً في ما يتعلق بمراسيم القوانين التي تصدر بشكل مفاجئ، ما يثير التساؤل حول حالة الاستعجال نفسها وحقيقتها، ليخلص إلى أن تعديلا المشروع القاضي بامصادقة على المرسوم بقانون، يجب أن تقدم خلال الجلسة العامة نظرا لغياب الحكومة المتكرر عن اللجان.

في السياق نفسه، ذكر رئيس فريق التقدم والاشتراكية رشيد حموني أن النقاش سبق وأثير على مستوى اللجان منذ شهور، وتم الاتفاق مبدئياً على أن التعديلات تقدم في نفس اليوم الذي يعرض فيه مشروع المصادقة على المرسوم. موضحا أن النظام الداخلي الحالي خصص باباً خاصاً لمناقشة المراسيم بقوانين، وأنه بالنظر إلى أن هذه المراسيم تنشر في الرسمية وتنتج آثاراً اقتصادية واجتماعية، فإن أي تعديل على مشروع القانون يجب أن يكون في حدود المادة الفريدة الواردة فيه، مقترحاً إحالة المسألة إلى المحكمة الدستورية للبث في الخلاف.

مصادقة لا نقاش

من جهته، أوضح رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار محمد شوكي أن الفلسفة الدستورية منحت الحكومة إمكانية إصدار مراسيم قوانين في حالة الاستعجال، بناءً على اتفاق مع اللجان، وأن ما تقدم به نواب العدالة والتنمية، رغم شكله القانوني السليم من حيث تقديم تعديلات، إلا أنه، بحسبه، يمس جوهر المرسوم الذي صدر وتم تطبيقه. واعتبر شوكي أن البرلمان يمكنه لاحقاً، عبر مقترح قانون، تعديل نصوص هذه المراسيم، لكن ليس أثناء المصادقة على المشروع الحالي، كما ينص على ذلك الفصل 81 الذي أكد على لفظ المصادقة وليس المناقشة.

وينص الفصل 81 من الدستور، على أنه للحكومة أن تصدر، خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، مراسيم قوانين، يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، خلال دورته العادية الموالية، على أن يودع مشروع المرسوم بقانون لدى مكتب مجلس النواب، وتناقشه بالتتابع اللجان المعنية في كلا المجلسين، بغية التوصل داخل أجل ستة أيام، إلى قرار مشترك بينهما في شأنه وإذا لم يحصل هذا الاتفاق، فإن القرار يرجع إلى اللجنة المعنية في مجلس النواب.

المسطرة أهم

في الاتجاه ذاته، شدد رئيس فريق الأصالة والمعاصرة أحمد التويزي على أن مشروع القانون القاضي بالمصادقة على المرسوم يخضع لمسطرة خاصة نص عليها النظام الداخلي، مشيراً إلى أن النص الدستوري واضح في أن البرلمان يصادق على المراسيم بقوانين كما هي، بالنظر إلى أنها طبقت وأنتجت آثاراً قانونية واجتماعية، وأن تعديل مشروع القانون الحالي خلال هذه الجلسة يتعارض مع مقتضيات النظام الداخلي، مشيراً إلى أن البرلمان يمكنه لاحقاً تقديم مقترحات قوانين لتعديل ما يريد.

أما رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية علال العمراوي، فاعتبر أن النقاش الدائر إيجابي لكنه يحتاج إلى توافق ويجب أن يتم في ظروف أكثر ملاءمة، مؤكداً أن أي اجتهاد في هذا الصدد ينبغي أن يزكَّى برأي المحكمة الدستورية

رئيس  مجلس النوابن راشيد الطالبي العلمي، نآى بنفسه عما اعتبرها مواقف سياسية وخلفيات التعديلات ومضمونها، ليركز على المسطرة، موضحا ان ما اتى به قرار المحكمة الدستورية 93/19 الذي يستدل به بوانو، يتعلق عدم مطابقة الاجراء القاضي باحالت مشاريع القوانين المتعلقة بالموافقة على مراسيم القوانين  على الجلسة العامة مباشرة، ليؤكد (القرار) على أنه من الضروري أن تمر من اللجان قبل المرور للجلسة العامة، معتبرا أنه كلن لبوانو الحق في الخلق النقاش في حين كان قرار اللجنة بمنع ادخال التعديلات صائبا لكونها لم تصادر حق أحد.

وأوضح العلمي أن المشرع الدستوري منح استثناءات عن القاعدة العامة القائلة بأن “التعديل حق مطلق للنواب والنائبات”، من خلال قاعدة خاصة مسطريا ومضمونا وهي حال المراسيم بقوانين، التي  أفرد لها الدستور الفصل 81،  وهي مسطرة استثنائية. والقاعدة ان القانون الخاص يقيد القانون العام، ليشير إلى أن المشروع إن المشروع القاضي بالمصادقة على المرسوم لم يأخذ بعد صبغة القانون القانون حتى نقوم بالتعديل داخله. بل ينبغي ان يتم المصادة عليه أولا وفق منطوق الفصل 81.

وعن امكانية إحالة الخلاف عن المحكمة الدستورية، قال العلمي، إن  هناك مشكلة في المحكمة الدستورية، موضحا أنه بناء على عدد من السوابق من المرجح ان تقضي المحكمة الدستورية في الأمر بعدم الاختصاص، وأن الصائب هو ان يدرج هذا الأمر داخل النظام الداخلين لتكون المحكمة مطالبة ىنذاك بالبث فيه الموضوع من باب اختصاصاها في البث في مطابقة النظام الداخلي للمجلس للنص الدستوري.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.