تصنيف الدار البيضاء في مؤشر الجريمة يسائل تراجع مؤسسات تنشئة المجتمع
كشف آخر تحيين برسم سنة 2024 من “مؤشر الجريمة” الصادر عن الموقع العالمي المتخصص “Numbeo” عن تصنيف مدينة الدار البيضاء المغربية في “مستوى جريمة معتدل”، حاصلة على تنقيط عام للمؤشر بلغ 54.42؛ وهو ما بوَّأها المرتبة العاشرة إفريقياً، والثالثة والتسعين عالمياً.
وفي المعدل الفرعي المتعلق بـ”تزايد معدلات الجريمة في السنوات الثلاث الماضية” حصلت الدار البيضاء على نقطة 59.06، مع توصيف “معتدل”، حسب بيانات طالعتها جريدة هسبريس الإلكترونية. بينما جاء المعدل الفرعي للمؤشر “مرتفعاً” بخصوص “مخاوف من السرقة أو محاولات النشل” (المعروفة بين المغاربة باسم ‘الكريساج’) مع تنقيط 60,7.
وفي ما يرتبط بما اعتبره الموقع مؤشرا فرعيا، وهو “مشكلة الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات أو يتاجرون بها”، بيّنَت المعطيات ذاتها “ارتفاع هذا الخطر” بمدينة الدار البيضاء بتنقيط وصل 61,6 حسب المستطلعة آراؤهم، الذين قاموا أيضا بوضع “مستوى خطر مرتفع لمعدل انتشار الرشوة” (76,1 نقطة) بالمدينة ذاتها.
وكشفت البيانات المحيّنة حسب الموقع ذاته مع متم شهر يناير 2024 أن “مؤشر الأمان” Safety Index، الذي يعد المؤشر العكسي للجريمة، حصلت فيه الدار البيضاء على 45.58 من أصل 100 نقطة.
وحسب تعريف المصدر ذاته فإن “مؤشر الجريمة هو تقدير للمستوى العام للجريمة في مدينة أو بلد معين”، إذ يتم قياس عدد الجرائم المرتكبة في منطقة/مدينة معينة خلال فترة معينة، على أنه معدل الجريمة، مع “التعبير عنه أحيانا بعدد الجرائم أو الأحداث الجنائية لكل 100 ألف شخص”، بعد عملية تجميع للبيانات الواردة من الاستطلاعات التي أجريت مع زوار الموقع.
ويعتمد تقدير مستويات الجريمة “أقل من 20 نقطة باعتبارها منخفضة للغاية”، فيما مستويات الجريمة بين 20 و40 تعد منخفضة، وبين 40 و60 نقطة تصنف على أنها “معتدلة”، فيما إذا جاء المؤشر على تنقيط بين 60 و80 فهذا يعني أن مستويات الجريمة ومؤشراتها “عالية”، أما مستويات الجريمة أعلى من 80 فتحيل على خانة “مرتفعة جدًا”.
ولفت الموقع المسؤول عن تحيين هذين المؤشريْن إلى أنه “من المهم ملاحَظة أن مؤشر الجريمة الذي يوفره Numbeo يعتمد على البيانات والتصورات التي يساهم بها المستخدِم (usercontributed data and perceptions)، وقد تختلف عن الإحصاءات الحكومية الرسمية”، وفق تقديره، وأضاف شارحا منهجية احتساب المؤشر أنه “يعمل كأداة مقارنة لتقييم السلامة النسبية لمختلف المدن أو البلدان، ومساعدة الأفراد على اتخاذ قرارات مستنيرة وفهم مشهد الجريمة في مواقع محددة قبل زيارتها”.
منظومة قيمية “شرعت في الانهيار”
تعليقا على الموضوع قال محسن بنزاكور، خبير في علم النفس الاجتماعي، إن “ارتفاع معدلات الجرائم بمختلف أنواعها وأصنافها، لاسيما تلك المرتبطة بالسرقة تحت التهديد أو الجرائم ضد الأصول، يسائل منظومة قيمية مجتمعية ترتبط بأدوار حاسمة وفاعلة لمؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تخلت عنها، ما جعل حتى الشارع العام مكمن الخطر”.
وأورد بنزاكور، في إفادات لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الصورة المنتشرة عن بلد معيّن أو ما تشتهر به إحدى أبرز مدنه من أمان أو انعدام الإحساس به تعكس التصور الذي يكوّنه زائروه عنه”، معتبرا أن الدار البيضاء من أبرز المدن المغربية التي عُرفت بانتشار فيديوهات الجريمة والتباهي بها في ما عرف بظاهرة “التشرميل”.
وشدد أستاذ علم النفس الاجتماعي، المتابع لديناميات وتطور المجتمع المغربي قيمياً، على أهمية “بناء الإنسان في بيئة قيمية أخلاقية تنعكس في شاكلة تمثلات”، معتبرا أن “المفهوم الاجتماعي لمؤسسة الأسرة الذي يعني الانضباط للقرار وطريقة رؤية الحياة بدأ يتراجع مقابل استباحة كل حدود الاستقرار الممكنة، التي تجعل من الإحساس بالأمان رهينا باستمرار أداء مؤسسات المجتمع المغربي لأدوارها التربوية والتوعوية والزجرية”.
“تبرير” السلوك الإجرامي
عند حديثه عن “مسألة القيم” قال بنزاكور معلقا: “حينما تتغير القيم الجماعية ويطغى الفرداني منها أكثر ينتج مباشرة عدم تقدير الآخر وانتهاج منطق [الغاية تبرر الوسيلة ] وما يرافقه من انتشار منطق الوصولية واللجوء إلى تبريرات”.
واعتبر الخبير الاجتماعي أن “السلوك الإجرامي مازال يجد له بعض السند في تبريرات تظل مرفوضة بشكل تام، إلا أن ‘تحليل سيكولوجية المجرم’ يظهر اللجوء إليها، من قبيل أن نهب الأموال العمومية من طرف بعض المسؤولين يعزز فرضية السرقة بالنشل أو تحت التهديد”.
ودعا المتحدث لهسبريس إلى “إعادة النظر عميقاً وتدارك مسألة فقدان الثقة في المؤسسات التي تبني القيم والأخلاق، قبل فوات الأوان”، مسجلا أن “المقاربة الأمنية المتعاطية مع ظاهرة الجريمة يجب أن تنهَج الاستباق والحماية، مع التركيز على مقاربات اجتماعيةنفسية موازية”.
جدير بالذكر أن مؤشر الجريمة الحالي، الذي يتم تحديثه باستمرار واحتسابه مرتين في السنة، يستخدم “بيانات يصل عمرها إلى 36 شهرًا”، حسب مصدر التصنيف الذي أوضح أن “المدن تُختار بعناية لإدراجها في المؤشر بناءً على الحد الأدنى من المساهمين لضمان الأهمية الإحصائية”.
وكانت مدن جنوب إفريقيا حصلت على المراتب الخمس الأولى في المؤشر المذكور، إذ جاءت بريتوريا ودوربان وجوهانسبرغ وبورت إليزابيث وكيب تاون، على التوالي، في صدارة المؤشر قاريا؛ ما يعني أنها أقل المدن الإفريقية أماناً.
المصدر: هسبريس