تشويه ملامح الوجه والعقوبات المخففة.. خلل تشريعي أم سوء تطبيق للقانون؟

أثارت قضية التلميذة سلمى، ذات الـ18 سنة والتي تتابع دراستها بشعبة العلوم الفيزيائية بمدينة مراكش، موجة واسعة من التضامن الشعبي والنقاش القانوني والاجتماعي، بعدما تعرضت لاعتداء شنيع من طرف زميلة سابقة لها في محيط المدرسة خلال أواخر سنة 2022، خلف جرحًا غائرًا على مستوى وجهها استدعى 56 غرزة طبية.
ورغم فداحة الجريمة وتداعياتها النفسية والاجتماعية الخطيرة على الضحية، والتي دفعتها إلى تجميد سنتها الدراسية والانسحاب مؤقتًا من محيطها الاجتماعي، لم تتجاوز العقوبة السجنية الصادرة في حق المعتدية شهرين فقط، مرفوقة بغرامة مدنية قدرها 5 ملايين سنتيم، لم تُؤدّ حتى الآن. فيما واصلت المعتدية واصلت وفق سلمى، عبر منشورات وبثوث مباشرة على وسائل التواصل، ما زاد من حجم معاناة الضحية وأثار تساؤلات ملحة حول عدالة النظام العقابي في مواجهة هذا النوع من الجرائم.
في هذا السياق، لفت المحامي بهيئة الرباط، محمد لمو إلى أنه “كثيرا ما تقابل الأحكام الصادرة في مثل هذه القضايا بنوع من الاستغراب، لأن العقوبات السجنية تكون مخففة للغاية، رغم أن الفعل المرتكب يُعدّ بمثابة حكم بالإعدام النفسي والاجتماعي للضحية، خاصة إذا كانت امرأة”.
وأوضح لمو في تصريح لجريدة “” أن المشرع المغربي، وفقًا لمقتضيات القانون الجنائي، لم يُعطِ لموضوع تشويه الملامح المكانة التي تستحقها ضمن مستويات التكييف القانوني لجرائم الضرب والجرح، حيث لا يتم اعتماد درجة التشويه الجمالي كمؤشر لقياس خطورة الفعل، بل يتم اللجوء إلى معيار طبي صرف، يُختزل في مدة العجز البدني الذي تحدده الشهادة الطبية.
هذا المعيار، حسب الأستاذ لمو، يُعتبر غير كافٍ لتقدير الضرر الحقيقي في حالة الاعتداءات التي تستهدف ملامح الوجه، لأن التشويه لا يعطل بالضرورة الحركة أو النشاط البدني المعتاد، وقد لا تتجاوز مدة العجز 20 يوما، ما يعني أن الجريمة قد تندرج ضمن جنح بسيطة، ويتم الحكم فيها بعقوبات لا تتناسب بتاتًا مع حجم الألم النفسي والتشوّه الدائم الذي قد يلحق بالضحية مدى الحياة.
واستطرد قائلاً: “عندما يتم تمزيق وجه امرأة أو فتاة بشفرة حلاقة أو سكين، ولا يعتبر ذلك عاهة مستديمة ما دام لم يُفقد عضوًا أو منفعة عضوية، فنحن أمام خلل في البنية التشريعية ذاتها، وليس فقط في تقدير القضاة.”
ودعا الأستاذ لمو إلى ضرورة إصلاح القانون الجنائي المغربي من خلال سن مقتضيات واضحة تُجرّم بشكل صريح الاعتداءات التي تمس الهوية الجمالية للفرد، تحت شعار تشريعي يقترحه: “وجوهنا خطر أحمر”، وذلك من أجل ضمان الردع العام والخاص، وتحقيق التناسب بين خطورة الفعل والعقوبة.
وتبقى مستويات التكييف القانونية الحالية لجرائم العنف محكومة بثلاث مستويات أساسية، يتمثل أولها في جنحة الضرب والجرح بعجز يقل عن 20 يوما، يعاقب عليها بالحبس من شهر إلى سنة أو غرامة مالية، أما المستوى الثاني فهو بمثابة جنحة بعجز يفوق 20 يوما، عقوبتها الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، فيما يعتبر المستوى الثالث بمثابة جناية الضرب المفضي إلى عاهة مستديمة، تتراوح عقوبتها بين 5 و20 سنة سجنا بحسب ظروف التشديد.
إلا أن الإشكال، وفق المحامي لمو، يكمن في أن التشويه الجمالي للوجه لا يتم تصنيفه في أي من هذه المستويات الثلاثة كجناية مستقلة، ما دام لا يُحدث عاهة دائمة بمعناها الطبي البحت. وبالتالي، فإن المعتدين يستفيدون من ثغرة قانونية تسمح بإفلاتهم من العقاب الرادع، رغم أن جريمتهم تُحدث أثرا مدمّرا على ضحاياهم.
ويختم الأستاذ لمو تصريحه بالتأكيد على أن الحاجة باتت ملحّة اليوم لمقاربة قانونية جديدة تراعي البعد النفسي والاجتماعي للجريمة، وليس فقط جانبها العضوي أو الطبي، معتبرًا أن العدالة لا تُقاس فقط بمدة العجز، بل بمدى الأثر الذي تُخلّفه الجريمة على حياة الضحية وكرامته الإنسانية.
فهل نحن أمام لحظة فاصلة تستدعي جرأة تشريعية لرد الاعتبار للضحايا؟ أم أن مظالم جديدة ستُضاف إلى دفاترهم في ظل استمرار تغليب التقنية القانونية على روح العدالة؟
المصدر: العمق المغربي