مع التحولات المتسارعة التي يعرفها سوق الشغل بفعل الطفرات التكنولوجية والرقمنة، برزت أشكال جديدة للتشغيل تتيح فرص عمل واسعة، لاسيما لفئة الشباب، لكنها في الوقت ذاته تثير مخاوف بشأن مدى احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأجراء.
وتشمل هذه الأشكال الجديدة خدمات التوصيل ونقل الركاب عبر تطبيقات رقمية، والعمل عن بعد في مجالات الترجمة وصناعة المحتوى وغيرها، لفائدة شركات قد تكون وطنية أو أجنبية، دون إطار قانوني واضح يحفظ حقوق العاملين.
وفي هذا السياق، يرى عبد العزيز الرماني، الخبير في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، أن أغلب المشغلين في هذه المجالات ينتمون إلى القطاع غير الرسمي أو إلى شركات عالمية لا تخضع للقوانين المحلية، مضيفا أن هذه الأنشطة رغم تنوعها ساهمت في خفض نسب البطالة، خاصة في صفوف الشباب الحاصلين على الشهادات وغير المتعلمين، من خلال مهن كاقتناء دراجة نارية وتوصيل الطلبات.
إقرأ أيضا: السكوري: أرقام البطالة تراجعت.. ويجب رفع الظلم عن حراس الأمن وعمال التطبيقات
وأشار الرماني إلى أن هذه المهن نشأت خارج تدخل الدولة، رغم أن هذه الأخيرة تركز على تشجيع الاستثمار وخلق فرص الشغل. وأوضح أن هذه الوظائف تقع في منطقة رمادية من الناحية القانونية، حيث يمارسها أصحابها بشكل اعتيادي لكنهم معرضون للمساءلة من طرف السلطات، كما هو الحال مع سائقي التطبيقات الذكية مثل “inDrive”.
وأضاف المتحدث أن هذه الأنشطة لا تنتمي للقطاع المهيكل رغم أداء بعضها للضرائب، كما أنها ليست أنشطة غير مهيكلة بالكامل، إلا أنها تساهم بوضوح في تحريك عجلة الاقتصاد، خصوصا في المدن الكبرى، ما ساهم في تحسين الوضع المعيشي لعدد من الأسر.
وبالرغم من الإيجابيات، حذر الرماني من المخاطر المرتبطة بهذه الأنشطة، مثل التهور في السياقة لدى سائقي خدمات التوصيل بالدراجات النارية من أجل احترام آجال التسليم، مما يشكل تهديدا للسلامة الطرقية.
كما شدد على أهمية إدماج هذه المهن ضمن منظومة قانونية واضحة تحفظ حقوق العاملين، معتبرا أن هيكلتها ستثير نقاشات واسعة بين مختلف الفاعلين، خاصة النقابات والقطاعات الوزارية المعنية.
من جهته، كان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قد دعا في رأي صادر سنة 2024 إلى ضرورة ملاءمة التشريع المغربي مع هذه الأشكال الجديدة للتشغيل، مشيرا إلى أن القوانين الحالية لا تواكب التحولات الرقمية وتغيب عنها الضمانات الأساسية في ما يخص الحد الأدنى للأجور وساعات العمل والحماية الاجتماعية.
إقرأ ايضا: المجلس الاقتصادي يحذر: العمل عن بعد وبالمنصات الرقمية خارج حماية القانون
وأكد المجلس أن العمل في أماكن افتراضية يصعب معه مراقبة ظروف التشغيل، كما يطرح تحديات مرتبطة بالحماية من حوادث الشغل، وغياب التمثيلية النقابية، والتجاوزات التي قد تفرضها بعض المنصات الأجنبية.
ودعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى سن تشريعات جديدة تواكب الواقع المهني المتغير، وتضمن كرامة وحقوق العاملين في هذه الوظائف غير النمطية.
هذا وكشف وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري عن توجه حكومي لتعديل بعض مواد مدونة الشغل، بهدف حماية فئات مهنية تعاني من هشاشة، مثل حراس الأمن الخاص، وكذا العاملين في الاقتصاد الرقمي، خصوصاً العاملين عبر المنصات والتطبيقات وشبكات التوصيل، مؤكداً على ضرورة ضمان حقوق هذه الفئات وتوفير أجور عادلة لها.
وسجل السكوري، أن الاقتصاد الوطني يسير في اتجاه واعد، مدعوماً بمشاريع كبرى مهيكلة، أبرزها استعدادات المملكة لتنظيم كأس العالم 2030، مما يستوجب، حسب تعبيره، سياسة تكوين شاملة وطموحة، تدمج التكوين المهني والتدرج ومدن المهن والكفاءات، لتأهيل الرأسمال البشري وجعله قادراً على مواكبة هذه الدينامية.
المصدر: العمق المغربي