تسريب روائز “طارل” يسائل جدوى مشروع بنموسى ومستقبل التعليم العمومي
تواصل مدارس الريادة إثارة الجدل بين المهتمين بالشأن التربوي في المغرب، خاصة بعد تسريب الروائز الخاصة بالموضعة البعدية لهذه المؤسسات، والتي انطلقت يوم الخميس الماضي بعد تأجيلها لأكثر من أسبوعين. يأتي هذا في سياق مناقشات حادة حول مشكلات مرتبطة بالهندسة المنهاجية وكلفة تنفيذ المشروع، مما يثير تساؤلات جدية حول مستقبل التعليم العمومي.
وقد وُجهت انتقادات عديدة لمختلف جوانب هذه المؤسسات التي أطلقها بنموسى لتحقيق أهداف خارطة الطريق 20222026، منها ما يتعلق بالتقويم، إذ أكد مختصون أن النتائج المستخلصة من روائز الموضعة لا تعكس المستوى الحقيقي للتلاميذ نظرًا لبساطتها ورفع السرية عنها، فضلاً عن أن تقويم المتعلمين يتم بناءً على مستويات الدعم وليس وفق معايير دقيقة، ما يزيد من تعقيد المشكلة ويعكس تراجعًا في مقاربة الكفايات المطلوبة.
كما نالت الكلفة المادية لمؤسسات الريادة نصيبًا من الانتقادات، حيث اعتُبرت عبئًا على المدرسة المغربية، إذ خصصت ميزانيات ضخمة لهذه المؤسسات، بينما تعاني المؤسسات الأخرى من نقص في أبسط وسائل العمل، ما يثير مخاوف حول العدالة في توزيع الموارد التعليمية.
في هذا السياق، أوضح الباحث في قضايا التربية والتكوين، سعيد أخيطوش، أن خطاب الوزارة حول تقويم مكتسبات المتعلمين كان دومًا يسعى إلى طمأنة الجمهور، وخصوصًا الآباء والأمهات والمتابعين، لإقناعهم بأن هذا المشروع هو الوصفة الناجعة لخروج المدرسة العمومية من الظلمات إلى النور.
في تصريح لجريدة “العمق”، أشار المتحدث إلى اعتماد روائز موضعة بسيطة ورفع السرية عن الرائز البعدي، مما يجعل النتائج مغلوطة، وأوضح أن المتعلمين يتم تقويمهم بناءً على مستويات الدعم، وليس وفق مستواهم النظري. (مثال: متعلم في المستوى الرابع صنف في التقويم القبلي ضمن مستوى الكلمة فقط، وفي التقويم البعدي يُقوّم بنفس المستوى، وليس في قراءة الفقرة أو الفهم المطلوبين في المستوى الرابع). وهذا يعني استمرار الصعوبات وتراكمها.
أشار أخيطوش أيضًا إلى غياب التقويم الوجداني في المشروع والتراجع الكبير عن التدريس وفق مقاربة الكفايات المنصوص عليها في المنهاج الرسمي، وعدم احترام النصوص والمذكرات المتعلقة بتقويم المتعلمين، أو اقتراح بدائل لها ضمن عُدة المشروع. كما أشار إلى أن امتحان المستوى السادس الإشهادي يتم خارج الإطار المرجعي وبعتبة صعوبة أقل، خصوصًا في اللغة الفرنسية.
لفت الإطار في وزارة التربية الوطنية إلى تراجع مجموعة من الإجراءات التقويمية التي سبق الإعلان عنها رفقة جمعية شريكة في عدد من مناطق المغرب، واعتماد طرق لتجميع المعطيات تؤثر على موثوقيتها من خلال العمل في فترات قصيرة واعتماد عدد كبير من الأسئلة في الدراسة الأولية للمشروع.
وأضاف أن القائمين على المشروع قد واجهوا إكراهات كبيرة في عنصر التقويم في مدارس الريادة، واضطروا لرفع السرية عن الروائز البعدية التي أصبحت متوفرة على الإنترنت إلى جانب الجذاذات والفروض العادية، مع برمجتها في وقت يسمح للمتعلمين بتحقيق نتائج إيجابية تبرر ما تم إنفاقه من أموال عمومية، مع إجراء الرائز القبلي بعد عطلة صيفية طويلة، مما يعطي عادة نتائج متدنية.
أما تقويم الأداء الإداري، فقد اعتبره الفاعل التربوي غير موجود فعليًا، بسبب قيادة مستشار الوزير السابق للقطاع لجميع العمليات المتعلقة بهذا المشروع، مما أحدث تعارضًا صارخًا في إصدار الأوامر والتعليمات خارجة عن الهرم الإداري الرسمي، متجاوزةً الاختصاصات والمهام المدرجة لكل من المديريات المركزية والأكاديميات والمديريات في المذكرات الوزارية والمقررات الرسمية.
في سياق متصل، شدد الباحث التربوي على ضرورة الانتباه لاستمرار المدرسة المغربية العمومية في السير وفق هندستين منهاجيتين: الأولى معلنة وواضحة ومدرجة في منهاج رسمي أعلن عن صيغته النهائية في يوليوز 2021، والثانية تعليمات ودلائل صادرة عن فريق مركزي يقود المشروع تتسم غالبًا بالعشوائية والتعديلات المتكررة.
وأشار إلى أن تمديد فترة الدعم وفق المستوى المناسب (tarl) لتشمل هذا العام الفترة الدراسية الأولى كاملة يطرح إشكالات تتعلق بحجم المحتوى الدراسي الذي يتلقاه متعلم مدرسة الريادة مقارنة بمثيله في المدرسة العمومية، ما يثير مخاوف الآباء والمتابعين للشأن التعليمي.
أما كلفة تنفيذ مشروع الريادة، فقد اعتبرها المختص في الشأن التربوي عبئًا كبيرًا على المدرسة المغربية ومجانية خدماتها، إذ خصصت منحة لكل المتدخلين في المشروع داخل المؤسسات التعليمية، إضافةً إلى نفقات التأهيل وتوفير العتاد وتعويضات لبعض المتدخلين، رغم عدم التنصيص عليها في وثائق رسمية، فضلًا عن نفقات الدعاية والتحسيس بالمشروع، ما أثر على باقي المؤسسات التي تعاني من نقص في المستلزمات الأساسية.
وأضاف أخيطوش: “ما أثير حول صفقات الطبع، وتكليف أكاديميات بالطبع والاقتناء نيابةً عن الباقي، وتفضيل مدارس المشروع في الحصول على ميزانيات محترمة، يثير تساؤلات حول استدامة المشروع بالشكل الحالي، حتى التعميم. وهنا نشير إلى أن مشروع الريادة قد يكون واعدًا من الناحية النظرية، لكن تكلفة تنفيذه تجعله غير مناسب للمدرسة المغربية، إلا إذا كان هناك توجه لرفع مجانية التعليم”.
وخلص المتحدث إلى أنه بالعودة للمادة 56 من القانون الإطار 51.17 فكل عمليات التقويم الخاصة بإصدار الحكم حول السياسة التعليمية وسير المنظومة التعليمية، يجب أن تتم تحت إمرة لجان وزارية عليا يعهد إليها اقتراح التدابير التعديلية وتعطي مصداقية أكثر للنتائج المعلنة والمتحصل عليها طبعا إلى جانب المجلس الأعلى للتربية والتكوين المخول له بمعية السلطة الحكومية المكلفة بالتربية والتكوين القيام بذلك حسب منطوق المادة 54 من القانون الإطار، وهنا نشير لما ذهب إليه تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين بخصوص مدارس الريادة، ثم حجم الانتقادات التي يشهدها هذا المشروع الذي انطلق من مكتب الوزير السابق بطريقة عمودية نسفت كل المكتسبات التي راكمها النظام التربوي المغربي في مجالات التشريع والمناهج والكتاب المدرسي وشفافية الصرف والصفقات.
المصدر: العمق المغربي