تزايد الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي بالصحراء المغربية يقبر مخططات الجزائر
شكلت تصريحات الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، السفير عمر هلال، أمس الثلاثاء في نيويورك، “طبقاً دسماً وشهيّا للتحليل” بالنسبة لأكاديميين مغاربة، اعتبروا أن دعوة هلال الجزائر، الطرف الرئيسي في النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، لأن تقر بـ”الإخفاق الذريع لمشروعها الانفصالي في الصحراء”، هي “تكفين للطرح الانفصالي”، الذي أعلن المغرب “وفاته تدريجيا منذ اقتراح مبادرة الحكم الذاتي سنة 2007”.
ويبدو أن هلال خلال مداخلته على هامش الجلسة العادية للجنة الـ24 التابعة للأمم المتحدة، المنعقدة ما بين 10 و21 يونيو الجاري، من خلال دعوته النظام الجزائري إلى “استخلاص العبر من الفشل المرير لمشروعه الانفصالي في الصحراء المغربية”، وضع الجارة الشرقية في مفترق طرق، خصوصا وأن الباحثين الذين تحدثوا لهسبريس اعتبروا أن “حكاية الجزائر مع الاقتراع وجودية، فقد كانت بداية الدولة الجزائرية الحديثة استفتاء للاستقلال عن الاحتلال الفرنسي”.
وقالوا أيضا إن عمر هلال تحلى بـ”منطق الأشياء” و”بعين العقل”، بتعبيرهم، في قوله إن “الجزائر اليوم أمام خيار: إما الانخراط ضمن مقاربة سلمية تحترم مبدأ حسن الجوار والتسوية السلمية للنزاعات، أو التمادي في الإخفاق الذريع وباهظ الثمن لأجندة البوليساريو، بمليارات الدولارات، وعلى حساب رفاه الشعب الجزائري الذي يصطف في طوابير لاقتناء أبسط المواد الغذائية”.
“استفتاء متجاوز”
عبد الفتاح الفاتيحي، رئيس مركز إفريقيا للدراسات والأبحاث، قال إن “تمسّك الجزائر بالاستفتاء يمثل شكلاً صار متجاوزاً الآن”، مشددا على أن النظام في الجارة الشرقية يدفع بهذا “المنطق البائد” لإطالة أمد النزاع، وليس من أجل اقتراح آلية من آليات الحل النهائي للموضوع، وعلينا أن نعود إلى بداية التسعينات حين قبل المغرب استفتاء تأكيديا لمغربية الصحراء، ورغم كل ما بذلته الأمم المتحدة منذ سنة 1991 لتنظيم استفتاء حول مستقبل الصحراء، إلا أن الأمر لم ينجح”.
وتفاعلا مع سؤال هسبريس: “إذا كانت المشاركة في استفتاء استقلال الجزائر عن فرنسا سنة 1962 امتدت لمن هم على التراب الفرنسي، فلماذا لا تتحدث الجارة عن استفتاء حول الصحراء يضمن مشاركة من هم على التراب المغربي ونعيد تفاصيل الحكاية نفسها؟”، رد الفاتيحي بأن “الجزائر ليست نيّتها طي الملف بلا رجعة”، وزاد: “الإجابة عن هذا السؤال تشكل عصب المشكلة التي اصطدمت بها الأمم المتحدة في التسعينات وهي تحاول تنظيم الاقتراع”.
وأوضح المتحدث أن المشكلة الديمقراطية التي حدثت حينها هي أن الجهة الأممية لم تستطع أن تجيب عن سؤال: من هو الصحراوي؟ ومن ثم من هم الأشخاص الذين يحق لهم التصويت بهذا المعنى لتقرير مصير إقليم الصحراء؟ مبرزاً أن “المشكل لم يكن تقنيّا فقط، بل كان هناك ارتطام بعوامل أخرى راجعة إلى أبعاد ديمقراطية وأخرى سوسيوثقافية وكذلك اجتماعية وتاريخية، منها: هل يمكن أن يضمن هذا الاقتراع كافة حقوق الصحراويين للمشاركة في هذه العملية، وبالتالي يكون هذا الاستفتاء عادلاً؟”.
وأبرز المتحدث أن “الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007، كان تماشياً مع دعوة الأمم المتحدة للبحث عن حل سياسي متوافق حوله، ولذلك هذا المشروع همّش فكرة الاستفتاء بالنظر إلى أنه مقترح جدي وواقعي وعملي، ويُنتظر الآن أن تتحمل الجزائر المسؤولية التاريخية للمضي قدما بهذا النزاع المفتعل نحو الحل، من خلال التخلّص من رعاية فكرة الانفصال التي كلفت النظام الجزائري أموالا باهظة كان يستحسن أن تصرف في تنمية البلد ورخاء الشعب”.
“كفن الطرح الانفصالي”
لحسن أقرطيط، أكاديمي باحث في العلاقات الدولية، قال إن المغرب “أعلن وفاة نهائية لفكرة الطرح الانفصالي”، مبرزا أن الرباط “سبق وطالبت بالدخول إلى مخيمات تندوف وجرد ساكنتها، وهذا إشكال قانوني كبير ينسف فكرة تأسيس جمهورية تنتصب من أوحال الانفصال”. وأوضح أن “أركان الدولة هي الإقليم والساكنة، ولا يمكن أن توجد الدولة وفق القانون الدولي في غياب الساكنة أو الأمة، ولهذا عمر هلال طالب سابقا بأن تسمح الجزائر بدخول المفوضية السامية إلى مخيمات تندوف”.
وأورد أقرطيط، ضمن قراءة قدمها لهسبريس، أن “الجزائر ترفض هذا الأمر لكونها تعرف أن المملكة المغربية مطلعة جيدا على الملف وتدرك أن الساكنة أو الشعب الصحراوي المزعوم، أو الشعب الذي تتحدث عنه جبهة البوليساريو الانفصالية والنظام الجزائري، غير موجود، لأن جزءا كبيرا من المتواجدين هناك مختطفون، فيما البقية هم جنسيات قدموا بها من مالي والسنغال وموريتانيا وحتى من التراب الجزائري”.
وذكر المتحدث أن “مقترح الاستفتاء بهذا المعنى تصور منتهي الصلاحية منذ التسعينات، وحتى الأمم المتحدة لم تعد مقتنعة بأي مبادرة مماثلة، وهذه الحقيقة هي التي دفعت المغرب لطرح مقترح الحكم الذاتي، الذي لقي ترحيبا كبيرا ودعما أمميا ودوليا، بوصفه مبادرة جدية وعملية وواقعية، وتوصيات الجهة الأممية صارت واضحة منذ 2007، وتعتبر الحكم الذاتي هو الحل الوحيد لهذا النزاع المفتعل، لكن الجزائر تتهرب من هذه الحقيقة”.
وقال أقرطيط إن “المخطط الجزائري فشل رسميا أمام الدعم المتزايد والمتواصل لمبادرة الرباط، وأصبح هذا التوجه على المستوى الأوروبي هو السائد”، مؤكدا “أننا نتحدث اليوم عن أكثر من 100 صوت من داخل الأمم المتحدة تصطفّ إلى جانب التصور المغربي لهذا النزاع، وهذا يشبه إعلان وفاة نهائيا لمقترح الاستفتاء؛ فلم يعد أحد يتحدث عنه سوى الجبهة الانفصالية ورعاة الطرح التقسيمي للوحدة الترابية، وهذه لا تعدو أن تكون مجرد أصوات بلا أيّ صدى على أرض الواقع”.
المصدر: هسبريس