يحمل تزامن القرار الأممي رقم 2703، المعتمد من لدن مجلس الأمن في 31 أكتوبر 2025، مع حلول الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء والذكرى السبعين لاستقلال المغرب، دلالات زمنية رمزية تتجاوز حدود المصادفة السياسية. ويستدعي هذا التلاقي الزمني استحضار المسار التاريخي الذي راكمه المغرب في سبيل استكمال وحدته الترابية؛ بدءا من عودة الملك محمد الخامس من المنفى سنة 1955، إلى استرجاع الأقاليم الجنوبية سنة 1975، وصولا إلى تأييد متزايد للمبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل واقعي للنزاع الإقليمي.

وأجمع باحثون تحدّثوا لهسبريس على أن تزامن صدور القرار الأممي رقم 2703 مع حلول الذكرى السبعين لعودة الملك محمد الخامس من المنفى والذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء ليس مجرد تلاقٍ زمني عابر؛ بل يحمل دلالة تاريخية عميقة مرتبطة بمفهوم بناء الدولة الحديثة. إن الرقمان سبعون وخمسون لا يحيلان فقط على وقائع مفصلية؛ بل يختزلان مسارين متكاملين: مسار التحرر من الاستعمار، ومسار استكمال الوحدة الترابية.

وسجل المتدخلون أن هذا التزامن الزمني يوجّه رسالة غير مباشرة مفادها أن اللحظة الدولية تعترف بثمار المسار الوطني الطويل، وتُقابل كل عقد من الزمن المغربي بتقدم دبلوماسي ذي بعد سيادي.

دلالة تاريخية

وقال أحمد يهدي، أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي بآسفي وزائر بالمدرسة العليا للأساتذة، إن تزامن القرار الأممي مع الذكرى السبعين لعودة الملك محمد الخامس من المنفى والذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء ليس مجرد تقاطع زمني؛ بل يحمل في طياته دلالة تاريخية تُستشف من انتظام الرقم خمسة في كل محطة مفصلية من محطات استكمال السيادة المغربية، بدءا من 1955، مرورا بـ1975، وبلوغا إلى 2025.

ورأى يهدي، في تصريحه لهسبريس الإلكترونية أن هذا النسق العددي لا يخلو من بعد رمزي في الذاكرة الجماعية المغربية، إذ يعكس انتقالا منتظما بين مراحل ثلاث: التحرر من الاستعمار، تحرير الأرض، وتثبيت الاعتراف الدولي، بما يجعل من هذه اللحظة تتويجا لمسار لم يكن وليد الطوارئ، بل نتاج تراكم سياسي ودبلوماسي مدروس.

وأضاف المتحدث عينه أن استحضار الدلالة التاريخية للرقمين 50 و70 لا يمكن فصله عن تسلسل زمني دقيق يشهد على مركزية رقم 5 في محطات مفصلية من تاريخ المغرب المعاصر؛ بدءا من عودة الملك محمد الخامس من المنفى سنة 1955، ثم إعلان الاستقلال سنة 1956، فاسترجاع إقليم طرفاية سنة 1958، ثم وادي الذهب سنة 1979، إلى جانب تنظيم المسيرة الخضراء سنة 1975.

واعتبر يهدي أن تزامن القرار الأممي رقم 2703 مع الذكرى الـ50 للمسيرة الخضراء والذكرى الـ70 لعودة محمد الخامس يضفي بعدا تأويليا خاصا قد لا يكون اعتباطيا، إذ يُقرأ في ضوء هندسة زمنية سياسية تشكّلت عبر مسار طويل من التراكم التاريخي يرتبط فيه الزمن الرمزي بقرارات ميدانية وحراك سيادي ملموس على الأرض.

وأوضح الباحث ذاته أن استحضار الأرقام المرتبطة بالخمسات والسبعات في مسار القضية الوطنية ليس محض صدفة عددية؛ بل يعكس، في تقديره، لحظات مفصلية في تدبير الدولة للملف.

ولفت يهدي إلى أن سنة 2005 شكّلت بداية التفكير العملي في طرح متقدّم للحكم الذاتي، أعقبها في 2007 التقدّم رسميا بالمبادرة إلى الأمم المتحدة، لتصبح لاحقا مرجعا أساسيا في التعاطي الدولي مع النزاع.

وأضاف المصرح عينه أن سنة 2015 عرفت لحظة رمزية بارزة بزيارة الملك محمد السادس إلى مدينة العيون وإلقائه خطابا بارزا هناك، في وقت كانت تُعاد فيه هيكلة النموذج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية؛ ما مثّل حينها توجها استراتيجيا نحو ترسيخ السيادة من خلال مشاريع مهيكلة.

بعد متراكم

قال رشيد العالمي مزوار، الباحث في تاريخ وقضايا شمال إفريقيا، إن الحديث عن القرار الأممي لا يمكن أن ينفصل عن البُعد التاريخي المتراكم، مؤكدا أن لحظة صدوره تحمل في طياتها أبعادا أعمق من مجرد التزامن الزمني.

وأضاف العالمي مزوار، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “لا ينبغي الاكتفاء بقراءة تقاطع الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء مع السبعين لاستقلال المغرب فحسب، بل من المهم استحضار أيضا أننا نلج عقدا ثانيا من المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي طُرحت سنة 2007؛ وهو ما يمنح هذا التوقيت طابعا مركبا يتقاطع فيه الزمن الرمزي مع التحولات الواقعية.

وأضاف الباحث في تاريخ وقضايا شمال إفريقيا أن “تزامن القرار الأممي مع هذه اللحظة التاريخية لا يمكن فصله أيضا عن التحولات الإقليمية والدولية التي تعرفها قضية الصحراء المغربية”.

وأبرز المتحدث عينه أن المرحلة الحالية تُميزها دينامية جديدة في المواقف الدولية، لا سيما بعد توالي الاعترافات بمغربية الصحراء وتوسّع قاعدة الدعم لمبادرة الحكم الذاتي.

وأبرز أن هذا التوقيت يحمل دلالة سياسية مزدوجة، من جهة كونه يتقاطع مع مسار تاريخي طويل من استكمال الوحدة الترابية. ومن جهة أخرى لأنه يكرّس واقعية المقاربة المغربية في تدبير النزاع الإقليمي، مضيفا أن الاستناد إلى أرقام دقيقة مثل2007 و2025 يختزل التحول من منطق المطالبة إلى منطق التثبيت والتثمين في الخطاب الدبلوماسي المغربي.

وأضاف الباحث المنحدر من الأقاليم الجنوبية أن دلالة هذا التوقيت لا تقتصر فقط على رمزية التواريخ؛ بل تنبع أيضا من التقاء الإرادة السياسية الوطنية مع تحوّلات إقليمية ودولية باتت أكثر تقبّلا للمقاربة المغربية.

واعتبر أن اللحظة الراهنة تحمل مؤشرات واضحة على أن تراكم الشرعية التاريخية والقانونية، مقرونا بالاستقرار الداخلي والنجاحات الدبلوماسية، بدأ يُترجم إلى مواقف رسمية داعمة لمبادرة الحكم الذاتي.

وأشار المتحدث إلى أن هذه اللحظة تأتي أيضا في سياق إقليمي يتميّز باضطرابات سياسية في الجوار؛ ما يعزّز صورة المغرب كفاعل عقلاني ومتوازن في المنطقة، مؤكدا أن الربط بين السياق الزمني والاعتراف الأممي يرسّخ فكرة أن المقترح المغربي لم يعد فقط مطلبا وطنيا، بل خيارا دوليا يحظى بالمصداقية والواقعية.

المصدر: هسبريس

شاركها.