أثارت مخرجات الاجتماع الأخير بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة والنقابات التعليمية الخمس، المنعقد يوم 20 نونبر 2025، نقاشا واسعا في الأوساط التربوية، حيث اعتبر متتبعون للشأن التعليمي أن إقرار الوزارة بترحيل صرف المستحقات المالية إلى غاية فبراير 2026، واستمرار دراسة ملفات كان يُفترض الحسم فيها، يجسد ما وصفوه بـ”سياسة الهروب إلى الأمام”.

ويرى هؤلاء أن لغة التقرير المشترك، المثقلة بعبارات “الدراسة” و”التنسيق”، قد تكون مؤشرا على تعثر حقيقي في تنزيل التزامات اتفاقي دجنبر 2023، مما يعيد إنتاج حالة من “الانتظارية” ويطرح علامات استفهام حول القدرة الفعلية على طي الملفات العالقة في الآجال المحددة.

يشير فاعلون نقابيون إلى أن الإشكال الراهن في القطاع التعليمي يتجاوز مجرد إكراهات مالية أو تقنية، مؤكّدين وجود تناقضات في التدبير الحكومي، حيث تتراوح المواقف بين التذرع بالكلفة المادية في بعض الملفات، ورفض مطالب لا تتطلب ميزانيات إضافية في ملفات أخرى.

ويعكس هذا الوضع حالة من الاستياء داخل الجسم التعليمي، إذ حملت أصوات عديدة المسؤولية للطرفين. وفي هذا السياق، صرّحت قيادات نقابية بأن القطاع يعيش ما وصفوه بـ “إعادة تدوير الأزمة”، معتبرين أن الشراكة بين الأطراف المعنية تواجه صعوبات في تحقيق الحلول المرجوة.

هدر الزمن التعليمي

واعتبر ربيع الكرعي الكاتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الكنفدرالية العامة للشغل أن قراءة مضامين البيان الصادر بتاريخ 20 نونبر 2025 ومقارنتها بما جاء في اتفاقي 10 و26 دجنبر 2023 تكشف بوضوح أن القطاع أمام عملية إعادة إنتاج للملفات نفسها وباللغة ذاتها تقريبا وكأن الزمن التعليمي توقف عند النقطة نفسها دون أي تقدم يذكر.

وتساءل  الكرعي ضمن تصريح لجريدة “”، عما إذا كان هذا الوضع يعكس عجزا ماليا لم تستطع الوزارة تدبيره أم أن الإشكال أعمق من ذلك ويرتبط بعيوب بنيوية رافقت صياغة النظام الأساسي مما جعل تنفيذ الالتزامات السابقة غير قابل للتحقق من الناحية العملية.

وأوضح المتحدث ذاته في تقديره للموقف الراهن أن ما يقع حاليا هو مزيج بين العجز المالي والعيوب البنيوية مضافا إليهما عامل ثالث لا يمكن إغفاله يتمثل في أسلوب الوزارة في التعاطي مع الملفات العالقة حيث يرتكز هذا الأسلوب على ترحيل الإشكالات بدلا من حلها وعلى إدارة الأزمة زمنيا أكثر من التوجه نحو معالجتها بشكل موضوعي. وأشار الكرعي إلى أنه في لحظة الحراك التعليمي كان الهدف الأول للوزارة هو نزع فتيل الاحتقان مما دفعها لتوقيع اتفاقات لم تكن المؤسسة الوصية مستعدة فعليا لتحمل كلفتها المالية والتقنية وهو ما يفسر عودة هذه الملفات اليوم إلى الواجهة لكونها لم تعالج جذريا منذ البداية.

وسجل الكاتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم في معرض حديثه أن النقابات لا يمكن إعفاؤها من المسؤولية في هذا الوضع حيث أشار إلى أنها تكتفي بدورها بإصدار بيانات تعيد إنتاج الخطاب نفسه دون أن تضع الرأي العام التعليمي أمام الأسباب الحقيقية لهذا التعثر وتوضيح ما إذا كان العائق ماليا أو قانونيا أو تقنيا أو حتى سياسيا. وأكد المتحدث وفقا لتصريحه أن تكرار الصياغة ذاتها في البلاغات المتتالية أضعف ثقة الشغيلة التعليمية لأنه يرسخ الانطباع بأن النقاشات تراوح مكانها وأن المخرجات الحالية ليست سوى إعادة تدوير لما سبق الاتفاق عليه.

وخلص الكرعي في تصريحه لجريدة “العمق” إلى أن جوهر المشكل اليوم لا يختزل فقط في التمويل أو النصوص القانونية وحدها بل يكمن في وجود بنية تدبيرية تجعل الملفات ترحل سنة تلو الأخرى وفي مواقف نقابية تفتقر للحسم ولا تمارس القدر الكافي من الوضوح أو الضغط اللازم وأضاف المصدر ذاته أن النتيجة الحتمية لهذا الوضع هي أن الشغيلة تجد نفسها عالقة بين وعود حكومية لا تجد طريقها للتحقق وبين خطاب نقابي يعيد إنتاج نفسه دون تحقيق أي اختراق حقيقي ينهي حالة الانتظار.

ظاهرة الزنازين

من جانبه وجه عز الدين امامي الكاتب الوطني لنقابة الاتحاد الوطني للتعليم انتقادات لاذعة لطريقة تعاطي الوزارة الوصية مع ملف النظام الأساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية مشيرا إلى وجود خلل بنيوي في صياغة هذا النظام فمثلا المادة 81 اتفقت نفس النقابات مع الوزارة يوم 09يناير 2025 على التأويل الإيجابي للمادة الذي يعني فقط ما تم تنفيذه في مرسوم 2019 والذي كانت سنواته الإعتبارية تسمح بالتسقيف.

وأضاف المتحدث ذاته في تصريح مماثل لجريدة “العمق” أن صياغة المادة يجب أن تضع نقطة نهاية لظاهرة الزنازين بقطاع التعليم وعدم تعديل هذه المادة بتنصيصها على تأويلها الإيجابي وقطعها مع ظاهرة الزنازين، يعكس حسب تعبيره نية مبيتة لعدم الرغبة في جعل النظام الأساسي شامنا للحماية القانونية التي نصت عليها المادة الخامسة منه مما يعني أكيد الإبقاء على حالة الاحتقان.

وأوضح المسؤول النقابي أن الحكومة تقدم مبررات متناقضة لعدم الاستجابة للمطالب ففي الوقت الذي تتحجج فيه بالتكلفة المالية الباهظة لبعض الملفات، ترفض في المقابل تسوية ملفات أخرى لا تتطلب أي غلاف مالي مثل مطلب تخفيض ساعات العمل وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات جدية حول الإرادة الحقيقية للإصلاح لدى الوزارة الوصية وما إذا كانت الحجج المالية مجرد شماعة لتعليق الفشل في تدبير القطاع.

تمييز الموظفين

وكشف المتحدث ذاته عن تفاصيل الحيف الذي يطال هيئة التدريس بالسلك الابتدائي مقارنة بالأسلاك الأخرى مستغربا استمرار الوزارة في فرض 30 ساعة عمل أسبوعيا على أساتذة الابتدائي، بينما يشتغل نظراؤهم في الإعداديات والثانويات التأهيلية بساعات أقل بكثير تصل إلى النصف تقريبا في بعض الحالات وهو ما يخلق تمييزا غير مبرر بين موظفين ينتمون لنفس القطاع ويخضعون لنفس النظام الأساسي.

وانتقد الكاتب الوطني لنقابة الاتحاد الوطني للتعليم الردود التي تتلقاها النقابات بخصوص ربط تخفيض الساعات بتغيير المناهج الدراسية معتبرا أن هذا الربط غير منطقي لأن المقررات الحالية نفسها يمكن تدريسها في حيز زمني أقل لا يتجاوز 18 ساعة أسبوعيا كما هو معمول به في مدارسنا التي تشتغل بالتوقيت الثلاثي وكذلك دول ومستويات أخرى مؤكدا أن الوزارة مطالبة باتخاذ قرارات شجاعة في الملفات التي لا تكلف خزينة الدولة سنتيما واحدا بدل البحث عن مبررات واهية.

وشدد المصدر نفسه في ختام تصريحه على أن التذرع بالتكلفة المالية لم يعد مقبولا بعد توقيع اتفاقي 10 و26 دجنبر اللذين بصم عليهما الوزير المكلف بالميزانية فوزي لقجع مما يعني توفر السيولة المالية اللازمة والتزام الدولة بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه مشيرا إلى أن حضور المسؤول عن مالية الدولة وتوقيعه يعد ضمانة بوجود اعتمادات مالية لتغطية الاتفاقات وأن أي تراجع بدعوى الكلفة المالية يعد تنصلا من التزامات رسمية ثابتة.

وأكد على أن عدم تنفيذ الاتفاقات يسائل بقوة الجدوى من اتفاق 30 أبريل 2023 الذي وقع عليه رئيس الحكومة، وينص بصراحة على ضرورة تنفيذ الحكومة لجميع ما اتفق عليه، وقال متسائلا:”ما الجدوى من اتفاقات دون تنفيذ، ومن حوارات لا تصلح إلا لصياغة بيانات لا تقدم ولا تؤخر ولا تحمل أي جديد”، وفق تعبيره.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.