تدخل خطباء المساجد في نقاش مدونة الأسرة.. قيام بالواجب أم استغلال للمنابر؟
أثار تدخل بعض الخطباء في نقاش تعديل مدونة الأسرة، جدلا بين من يرفض تناولهم لهذا الموضوع، ويرى ذلك “استغلالا” للمسجد للانتصار لتيار على آخر في “نقاش قانوني سياسي”، وبين من يعتبر هذا النقاش “شأنا شرعيا خالصا” ويدافع عن إثارته على المنبر.
وعلى الرغم من محدودية عدد الخطباء الذين أثاروا موضوع إصلاح مدونة الأسرة، سواء في خطبة عيد الفطر أو على منبر الجمعة، إلا أن ذلك أثار انتقادات، وبرزت تحذيرات من نشر “خطاب التطرف”.
في هذا الصدد، طالبت النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار، فاطمة التامني، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، بوضع حد لما وصفته بـ”خطاب التطرف” عبر منابر المساجد.
وانتقدت التامني ما اعتبرته استغلالا لمنابر المساجد من أجل التحريض ضد التيار الحداثي، باستعمال “نبرة تكفيرية تهديدية”، بهدف إعطاء فرصة لـ”تنظيمات الإسلام السياسي الحركي” لتأسيس “جبهة عريضة للتخويف من أي إصلاح لا يتماشى مع تأويلهم للنصوص الدينية”.
شأن شرعي
لكن القيادي في حزب العدالة والتنمية والوزير السابق وأستاذ التعليم العالي، خالد الصمدي، شدد على أن إصلاح مدونة الأسرة “نقاش شرعي خالص”، من حق وواجب خطباء المساجد الخوض فيه على المنابر، متسائلا عمن يريد “تحنيط المنبر”؟
وقال الصمدي، في تصريح لجريدة “العمق”، “عندما يتحدث الخطباء في أمور بعيدة عن الواقع يتهمون بأن خطبهم باردة ومحدودة لا تمس الواقع، وعندما تحدثوا في أمر مجتمعي، هو مدونة الأسرة، اتهموا بالتحريض واستغلال المنابر”.
واعتبر الصمدي أن من واجب الخطيب أن يتناول قضايا المجتمع ولكن “ليس بالضرورة، بالتشكيك في النوايا وضرورة تناول الموضوع بالأدب اللازم”، معبرا عن تحفظه من أن “يتحول من الخطيب من التوعية إلى التحريض”.
وشدد على أن “الأسرة وإصلاح مدونتها شأن شرعي خالص ذو أبعاد دينية مجتمعية تربوية حقوقية اقتصادية تمس كل بيت”، منتقدا من يريد من الخطباء أن يبتعدوا عن تناول هذا الموضوع “بالنقد والبيان”.
وتساءل الصمدي عن دور هذا المنبر “إذا لم يتناول فيه الخطيب قضايا المجتمع وصيانة الهوية والانتماء من كل انحراف بحسن تواصل ووسطية واعتدال”، مستدركا، “نعم المنبر ينبغي أن يظل بعيدا عن السيء من القول، وعن الاتهام وتصنيف الناس بالتشكيك في النيات”، واصفا المنبر بأنه “منبر الأمة الذي ينوب فيه الخطيب عن أمير المومنين الإمام ، وعن رسول الله خير الأنام، بأدب التنبيه”.
نقاش سياسي
من جهتها اعتبرت الفاعلة الحقوقية، لطيفة البوحسيني، أن النقاش بخصوص إصلاح مدونة الأسرة “نقاش سياسي وليس نقاشا دينيا”، والسجال حول قضاياها ليس معركة “بين الكفار والمسلمين”، بل هو جدال بين المسلمين؛ المتنورين منهم والمحافظين”.
وانتقدت الفاعلة الحقوقية “استغلال” بعض الخطباء لمنابر المساجد للترويج لأفكار تيار معين في ما يتعلق بإصلاح مدونة الأسرة، مشيرة إلى أن المساجد تقع تحت وصاية وزارة الأوقاف، “فعندما يكون موقف/اتجاه رسمي يتم تنزيله وتعميمه على جميع الخطباء في المغرب”.
ما يظهر، تقول البوحسيني في تصريح لـ”العمق”، أن بعض خطباء المساجد خرجوا على الاتجاه الرسمي وعبروا عن آرائهم الشخصية فوق منبر الجمعة أو في خطبة العيد.
منبر المسجد، بحسب البوحسيني، مكان “نتضرع فيه إلى الله، في دين يجمع المغاربة بمختلف تياراتهم”، داعية إلى عدم استغلال هذه المنصة من طرف البعض لتمرير مواقفهم الشخصية.
واستدركت المتحدثة بأنها ليست ضد حرية التعبير، فـ”من حق الناس أن تعبر عن آرائها، ولكن ليس عبر المنبر”، فـ”المنابر في نهاية المطاف هي حكر على جهة معينة”.
فأهمية إمارة المؤمنين، تقول البوحسيني، تتمثل “في أن لا يتم التلاعب بالقضايا الدينية الروحية، أما قضايا المعاملات فهناك فضاءات أخرى لنقاشها”، لأن الأمر يتعلق بحسب تعبيره بـ”نقاش سياسي”.
المصدر: العمق المغربي