تداعيات الجفاف تُسرّع مشاريع تحلية مياه البحر وربط الأحواض في المغرب
بعد توالي سنوات الجفاف، سرّع المغرب من وتيرة عدد من المشاريع الاستعجالية لمواجهة ندرة المياه، حيث أُطلق العمل بمشروع لتحلية مياه البحر وآخر يتعلق بنقل المياه بين حوض سبو وحوض أبي رقراق.
كان المغرب قد واجه، العام الماضي، أسوأ موسم جفاف منذ أربع عقود بشكل أثر على الإنتاج الزراعي كما أنهك الموارد المائية مع تراجع مخزون السدود التي كانت في وقت سابق الملاذ الوحيد.
واضطرت الحكومة إلى تسريع عدد من المشاريع لمواجهة الوضع الحرج، حيث تم الأسبوع الجاري نقل أولى الأمتار المكعبة من مياه حوض سبو إلى حوض أبي رقراق ضمن مشروع الربط المائي البيني للأحواض المائية.
نقل الماء بين الأحواض
يهدف هذا المشروع الضخم إلى تحويل فائض مياه حوض سبو التي كانت تضيع بالمحيط الأطلسي إلى حوض أبي رقراق من أجل تأمين تزويد محور الرباطالدار البيضاء بالماء الشروب لساكنة تقدر بحوالي 12 مليون نسمة، وكذا تخفيف الضغط على سد المسيرة.
وقد كلف هذا المشروع غير المسبوق في المغرب تكلفة مالية تناهز 6 مليارات درهم، حيث تطلب الأمر إنجاز منشأة لأخذ الماء على مستوى سد المنع على واد سبو، وبناء 67 كيلومترا من القنوات الفولاذية بقطر 3200 ملم، إضافة إلى محطتين للضخ بصبيب 15 مترا مكعبا في الثانية، وحوض لإيصال الماء إلى حقينة سد سيدي محمد بن عبد الله.
وعلى الرغم من ضخامة هذا المشروع، فإنه قد أُنجز في ظرف قياسي لم يتجاوز 9 أشهر، وبدأ تشغيله تدريجيا ابتداء من يوم 24 غشت الجاري لإجراء التجارب اللازمة على المعدات وتحويل المياه بصبيب أولي لا يتعدى 3 أمتار مكعبة في الثانية.
ومن المنتظر أن تتم في غضون الأسابيع المقبلة الزيادة تدريجياً في صبيب المياه ليصل إلى 15 مترا مكعبا في الثانية؛ مما سيمكن من تحويل حجم سنوي من فائض مياه حوض سبو يتراوح بين 350 و400 مليون متر مكعب.
تحلية مياه البحر
مشروع آخر تم تسريع إنجازه في الأشهر الماضية يتعلق بتحلية مياه البحر في مدينة آسفي، تنفيذاً للتوجيهات الملكية حول اللجوء إلى المياه غير الاعتيادية لتلبية حاجيات البلاد. وفي الأسبوع الماضي، جرى تشغيل محطة تحلية مياه البحر بآسفي المنجزة من طرف مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط.
وتنتج المحطة ما يقدر بعشرة ملايين متر مكعب من مياه شرب في سنة 2023، ويهدف هذا المشروع إلى ضمان إمداد مستدام بمياه الشرب في سياق التغيرات المناخية الذي تشهد فيه الموارد المائية الاعتيادية تقلصا متزايدا.
ويرتقب من المشروع أن يؤمن 10 ملايين متر مكعب من مياه التحلية الموجهة للماء الشروب لمدينة آسفي، و30 مليون متر مكعب لمدينة الجديدة. وخلال سنتي 2024 و2025، سيبلغ الإنتاج المرتقب 15 مليون متر مكعب سنويا لفائدة آسفي و32 مليون متر مكعب سنويا لفائدة نظيرها في الجديدة. وابتداء من عام 2026، سيصل هذا الحجم إلى 30 مليون متر مكعب سنويا لآسفي، و45 مليون متر مكعب للجديدة.
وفيما يخص إنتاج المياه الموجهة لتلبية الاحتياجات الصناعية، يهدف البرنامج إلى ضمان تعبئة 35 مليون متر مكعب سنويا للاستخدام الصناعي للمكتب الشريف للفوسفاط.
ومن المرتقب أن يتم إطلاق مشاريع مماثلة عديدة لتحلية مياه البحر في كل من سوس والدار البيضاء إضافة إلى الناظور، من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص بما سيمكن من تخفيف الضغط على الموارد المائية التقليدية.
إجهاد مائي مرتفع
استعجالية هذه المشاريع تأتي في وقت يُصنف فيه المغرب ضمن الدول التي تعاني من تداعيات التغيرات المناخية وتوالي مواسم الجفاف.
وفي هذا الصدد، قال يوسف فيلالي كراوي، الخبير الاقتصادي رئيس “المركز المغربي للحكامة والتسيير”، إن المملكة ضمن حوالي 30 دولة في العالم تعاني إجهاد مائي مرتفع جداً، حسب معهد الموارد العالمية.
وأشار كراوي، في حديث لهسبريس، إلى أن المغرب دخل مرحلة الإجهاد المائي بعد انتقال نصيب الفرد المغربي من الماء من 2500 متر مكعب في السنة إلى 600 متر مكعب، في الفترة الممتدة من ستينيات القرن الماضي إلى اليوم.
وذكر الخبير الاقتصادي أن متوسط نسبة ملء السدود في المغرب لا تتجاوز 35 في المائة بعدما كانت في السابق لا تصل إلى مستوى ما دون 50 في المائة؛ ما يطرح إشكالية كبيرة على مستوى توفر المياه، خصوصا في مدن كبرى عديدة مثل الدار البيضاء الكبرى حيث يمثل استهلاك السكان أكثر من 80 في المائة.
وأفاد كراوي بأن الغرفة الفتية الدولية بالرباط (JCI Rabat) تطرقت، مؤخرا، لإشكالية الإجهاد المائي في المغرب في ندوة شارك فيها عدد من الخبراء المغاربة أشاروا إلى أهمية التوعية والتحسيس لدى الأسر من أجل ترشيد وتقنين استهلاك المياه.
وفي نظر الخبير الاقتصادي، فإن مشاريع تحلية مياه البحر مكلفة ولن تستطيع توفير الماء بسرعة؛ لأنها تتطلب استثمارات مالية مهمة ومدة للإنجاز، وهو ما يتطلب التركيز أيضا على التقنين والتكوين من خلال توعية الفلاحين للاقتصاد في الماء في زراعاتهم، ناهيك عن نهج سياسة خفض الصبيب لتغيير السلوك في ظل وضع الإجهاد المائي حاليا.
وذهب كراوي إلى القول إن الجفاف وندرة المياه يسببان مشاكل كبيرة في العالم القروي، من خلال ارتفاع البطالة والهجرة نحو المدن وما يرافق ذلك من هشاشة اجتماعية وفقر؛ وهو وضع يتفاقم ويؤثر على النمو الاقتصادي، لأن القطاع الفلاحي له دور مهم في الناتج المحلي الإجمالي.
المصدر: هسبريس