تخلف وزراء عن الجلسات البرلمانية العمومية يضع الحكومة في “ميزان الجدية”
شهدت جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، أول أمس الاثنين، نقاشا حادا بين الأغلبية والمعارضة حول تخلف ثلاثة وزراء، أدى إلى رفع الجلسة لدقائق بعد أن خرج النقاش عن السيطرة، خصوصا بين رئيس الجلسة ادريس الشطيبي ونواب عن فرق الأغلبية.
وتخلف عن حضور جلسة الأسئلة الشفوية الرقابية هذه كل من محسن الجزولي، الوزير المنتدب المكلف بالاستثمار، ويونس السكوري، وزير الشغل والإدماج الاقتصادي، اللذين كانا في مهام رسمية بالخارج، وفاطمة الزهراء عمور، التي ارتبط غيابها بأجندة حكومية، وفقا لما أوضحه مصطفى بايتاس في كلمته التوضيحية في هذا الصدد.
وخلق غياب هؤلاء الوزراء سلسلة من الأخذ والرد بين الأغلبية والمعارضة؛ فهذه الأخيرة دفعت بكون غياب هذا العدد من المسؤولين الحكوميين ينم عن “نوع من الاستخفاف بالمؤسسة البرلمانية وقلة احترام لها”، الأمر الذي نفاه مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب الكلف بالعلاقات مع البرلمان، الذي لفت إلى أن “الغيابات مبررة وجرى الإعلام بها، والحكومة تحرص على التفاعل مع البرلمان”.
واعتبر متدخلون، تحدثوا لهسبريس، أن “الإشكال في هذا الصدد سياسي أكثر من كونه تنظيميا، بالنظر إلى أن القوانين الداخلية للبرلمان تحيل على إمكانية اللجوء إلى التضامن الحكومي في الحالات المحددة قانونا، حيث إن الغياب المعزول وغير المتكرر يظل عاديا، بيْد أن توالي الغيابات يدعم طرح الاستخفاف بالعمل البرلماني وبأدوار المؤسسة التشريعية في مراقبة أداء الحكومة”.
إشكال سياسي
مريم أبليل، باحثة في القانون البرلماني، أفادت بأن “النظام الداخلي لمجلس النواب يتحدث في مادته 162 على اتفاق مكتب مجلس النواب مع الحكومة في بداية كل دورة تشريعية على برنامج عام يتضمن البرمجة الشهرية للقطاعات الحكومية التي ستشملها الأسئلة البرلمانية كل أسبوع، فضلا عن الجلسة الشهرية التي تخصص لمساءلة الحكومة”.
وأضافت أبليل، في تصريح لهسبريس، أنه “في حالة غياب وزير، فإن الأمور تتم بشكل توافقي بين الحكومة التي تتوفر على أغلبية بالبرلمان، في الوقت الذي لا توجد مقتضيات ترفض التضامن الحكومي بين الوزراء في هذا الصدد، الذين يمكنهم الإجابة عن الأسئلة الموجهة لزملائهم”، لافتة إلى أن “الإشكال في هذا الإطار ليس قانونيا ولا تنظيميا، على الرغم من وجود مقتضيات دستورية ملزمة لا تنفذها الحكومة، بما فيها جلسة الأسئلة الشهرية كما حدث خلال السنتين الماضيتين”.
واعتبرت المتحدثة أن “الإشكال في عمقه يظل سياسيا، باستحضار كون الأغلبية تسيطر على غرفتي البرلمان ورئاستيهما كذلك، ما يطرح مسألة إضعاف المؤسسة التشريعية، سواء من خلال الأسئلة أو الأساليب الرقابية الأخرى، بما فيها لجان تقضي الحقائق، مما يؤثر سلبا على اختصاصات البرلمان، مع الأخذ بعين الاعتبار الإشكالات التي تعرفها المعارضة بدورها من تشتت وعدم انسجام فيما بينها”.
غياب محكوم بالقانون
أحمد البوز، أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أفاد بأن “حضور الوزير المسؤول على القطاع وتفاعله مع النواب وتقديم التوضيحات التي في حوزته، يظل بطبيعة الحال أمرا أكثر أهمية من الحالة التي لا يحضر فيها وينوب عنه زميل له في الحكومة للإجابة عن الأسئلة المطروحة؛ فالسؤال في عمقه يثير مسؤولية الوزير المعني”.
وأضاف البوز، في تصريح لهسبريس، أن “التضامن الحكومي يطرح إمكانية جواب وزير مكان وزير آخر في الوقت الذي يحرص فيه البرلمانيون على حضور الوزير في حد ذاته”، لافتا إلى أن “هذا الموضوع يثير الإشكالية المتعلقة بما إذا كان الغياب مبررا أم لا، لكون الأنظمة الداخلية للبرلمان حددت المعايير والضوابط التي تحكم تفعيل المرونة في هذا الإطار ومنح صلاحية الجواب عن الأجوبة لوزير ثان”.
وتساءل المتحدث عن “المعطيات والإحصائيات التي يمكن أن تكون المعارضة قد بنت عليها رد فعلها وما إذا كانت غيابات هؤلاء الوزراء تحترم الضوابط أم لا”، موردا أن الغيابات “يمكن أن تكون مرتبطة بالمهام الداخلية أو الخارجية، وحدوث العكس يمكن أن يُفهم منه أنه تجاهل لجلسات الأسئلة الشفوية كجلسات رقابية تحظى بقيمة معتبرة”.
وزاد الأكاديمي ذاته موضحا: “إذا كان غياب الوزير عن جلسة واحدة فقط، فإن الأمر لا يبدو أنه ينطوي على مشكل. لكن، إذا كان هنالك تواتر في هذه الغيابات لوزير في حد ذاته أو لعدد من أعضاء الحكومة، فإن ذلك يدخل في نطاق الإشكالات القديمة/الجديدة التي تعرفها الممارسة البرلمانية المغربية، إلى جانب غياب البرلمانيين كذلك”.
المصدر: هسبريس