في تطور هام وخاص يعيد تشكيل المشهد السياسي الإفريقي، أعلن حزب “رمح الأمة” (Umkhonto we Sizwe MK) الجنوب إفريقي، الذي أسسه الزعيم الراحل نيلسون مانديلا ويقوده حاليًا الرئيس السابق جاكوب زوما، دعمه المطلق للسيادة المغربية على الصحراء. وقد جاء هذا الموقف الصريح في وثيقة من واجهة و16 عشر صفحة بعنوان “شراكة استراتيجية من أجل الوحدة الإفريقية والتحرر الاقتصادي والسلامة الترابية”، ليخالف بذلك موقف جوهانسبورغ الرسمي الحالي الذي كان داعمًا لجبهة “البوليساريو”.

يقدم هذا المستند الصادر عن حزب “أومكونتو وي سيزوي” (MK) رؤية شاملة لشراكة استراتيجية بين جنوب إفريقيا والمغرب، مرتكزًا على قيم الوحدة الإفريقية، التحرر الاقتصادي، والسلامة الإقليمية. تُظهر هذه الرؤية فهمًا عميقًا للعلاقات الثنائية المحتملة، مع التأكيد على الجذور التاريخية والتطلعات المستقبلية المشتركة.

يمكن قراءة هذه الوثيقة من خلال مضامينها وعناوينها في المحاور الستة التالية:

أولاً: قيم مشتركة وتوازيات تاريخية

يُبرز حزب MK رابطًا قويًا بين هويته التي تجسدت في نضال جنوب إفريقيا ضد الفصل العنصري، وتاريخ المغرب في مقاومة الاستعمار والسعي لتحقيق الوحدة الوطنية. هذا الارتباط ليس مجرد تشابه سطحي، بل هو تجذر في تجارب المقاومة المشتركة، حيث قدم المغرب دعمًا ماليًا وعسكريًا مبكرًا لحركة أومكونتو وي سيزوي في عام 1962، مما يعكس عمق التضامن التاريخي. وهذا ما تجلى في الجوانب التالية:

1. تراث مقاوم للاستعمار: يشير النص إلى أن كلا الدولتين تشكلتا بفعل صراعاتهما ضد الاستعمار. بالنسبة لجنوب إفريقيا، كان ذلك ضد نظام الفصل العنصري، بينما خاض المغرب نضالًا ضد الحكم الفرنسي والإسباني. هذا التوازي التاريخي يمثل أرضية صلبة للشراكة، حيث يعكسان التزامًا راسخًا بالتحرر والسيادة.

2. الالتزام بالسيادة: يتوافق سعي المغرب لاستعادة سلامته الإقليمية مع مبدأ حزب MK في الحفاظ على سيادة ووحدة الدول الإفريقية. يعتبر الحزب الدفاع عن سلامة أراضي جنوب إفريقيا “مبدأ مقدسًا”، مما يؤكد على الأهمية القصوى للسيادة الوطنية في سياسته الخارجية، خاصة في مواجهة “القوى الداخلية التي تهدف إلى تفكيك وحدة أراضينا”.

3. احترام المؤسسات الدولية والإفريقية: تدعم كلتا الدولتين دور الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، وتدعو إلى حلول إفريقية للقضايا القارية. هذا الموقف المشترك يؤسس لتعاون دبلوماسي فعال على الساحة الدولية والإفريقية، بهدف تعزيز المصالح المشتركة للقارة.

ثانياً: التوافق الجيوسياسي

يرى حزب MK أن جنوب إفريقيا والمغرب يتقاسمان مسؤولية الدفاع عن مصالح إفريقيا، ويدعمان التعاون القوي نظرًا لأوجه التشابه في سياساتهما الخارجية والأمنية.

1. جهود حفظ السلام: تُعد كلتا الدولتين مساهمتين رئيسيتين في جهود حفظ السلام الإفريقية. هذا الدور يوضح التزامهما بالاستقرار الإقليمي والقاري، مما يفتح آفاقًا للتعاون في هذا المجال الحيوي.

2. دبلوماسية متعددة الأقطاب: تدعم كلتا الدولتين الدبلوماسية متعددة الأقطاب وإصلاح المؤسسات الدولية، بهدف عكس الأصوات الإفريقية بشكل أفضل. هذا التوافق يعكس رغبة مشتركة في بناء نظام عالمي أكثر عدالة وتوازنًا، حيث تحظى القارة الإفريقية بمكانة تستحقها.

3. مخاوف بشأن زعزعة الاستقرار: يشتركان في مخاوف بشأن زعزعة الاستقرار الناتجة عن أجندات انفصالية مدعومة من جهات خارجية. هذه النقطة ذات أهمية بالغة، حيث تضع أسسًا للتعاون الأمني والاستخباراتي لمواجهة التحديات المشتركة التي تهدد الاستقرار الإقليمي.

ثالثاً: التآزر الاقتصادي

يشجع حزب MK على تعزيز التآزر الاقتصادي والتعاون بين جنوب إفريقيا والمغرب، كقوتين اقتصاديتين مهمتين في القارة. وذلك لاعتبارين اثنين:

1. الإمكانات الاستثمارية: مع كون جنوب إفريقيا أكبر مستثمر في إفريقيا والمغرب ثاني أكبر مستثمر، فإن إمكاناتهما الاقتصادية المشتركة تُعتبر هائلة، خاصة في إطار منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA). هذا يشير إلى إمكانية تحقيق قفزات نوعية في التنمية الاقتصادية المشتركة.

2. الاعتماد على الذات وخلق فرص العمل: يُتوقع أن يحرر هذا التآزر كلا البلدين من “عبء الاعتماد الخارجي”، ويخلق أسواقًا مستدامة، وفرص عمل، ويدعم الفقراء، بينما يعالج أيضًا قضايا الأمن الغذائي، خاصة في الزراعة. هذه الرؤية الاقتصادية الطموحة تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز التنمية الشاملة.

رابعاً: التبادل الثقافي والاجتماعي

يدعم حزب MK مبادرات مختلفة لتعزيز التبادل الثقافي والاجتماعي بين الدولتين الإفريقيتين المتنوعتين وذلك من خلال:

1. تعزيز الهوية الإفريقية: يشمل ذلك إنشاء جذور ثقافية قوية، واحتضان التنوع العرقي، وتعزيز المجتمعات متعددة اللغات. هذا يؤكد على أهمية بناء جسور ثقافية لتعزيز الفهم المتبادل وتقوية الهوية الإفريقية المشتركة.

2. تبادل الشباب والتعليم: يدعو الحزب إلى تبادل الشباب، والمصالحة التاريخية، ومبادرات التعليم التي تركز على الثقافة الإفريقية. هذه المبادرات تهدف إلى بناء جيل جديد واعٍ بتاريخه المشترك، وقادر على المساهمة في بناء مستقبل إفريقيا.

خامساً: قضية الصحراء: موقف مبدئي

يعرب حزب أومكونتو وي سيزوي عن دعمه لموقف المغرب بشأن الصحراء الغربية، مستندًا إلى الشرعية التاريخية واعتبارات أخرى.

1. الشرعية التاريخية: يؤكد المستند أن الصحراء الغربية كانت جزءًا لا يتجزأ من المغرب قبل الاستعمار الإسباني، وأن المطالبة المغربية تسبق الاستعمار وتتجذر في الولاء القبلي. ينص الحزب على أن سيادة المغرب على المنطقة “يجب احترامها”. هذا الموقف يعكس فهمًا تاريخيًا عميقًا للوضع.

2. المسيرة الخضراء: توصف المسيرة الخضراء عام 1975 بأنها “فعل سلمي وقوي لإنهاء الاستعمار” و”حركة تحرير فريدة وغير عنيفة”. هذا التأطير للمسيرة الخضراء يلقي الضوء على طبيعتها السلمية وأهميتها في استعادة المغرب لسيادته.

3. مبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد: يعتقد حزب (MK) رمح الأمة أن مقترح المغرب للحكم الذاتي في الصحراء الغربية يجب أن يُنظر إليه في سياق الوحدة الإفريقية ومبادئ تقرير المصير. يرى الحزب خطة الحكم الذاتي كـ “بديل واقعي” لإنهاء المعاناة وعدم الاستقرار، ويدعو إلى تسوية تفاوضية تحت السيادة المغربية كمسار للسلام والمصالحة. هذا الموقف يعكس نظرة براغماتية وعملية للوصول إلى حل مستدام.

سادساً: الطريق إلى الأمام: خارطة طريق مشتركة

يقترح المستند الذي يعكس رؤية حزب “رمح الأمة” لمستقبل العلاقات بين جنوب إفريقيا والمغرب خارطة طريق لتعزيزها، تشمل عدة محاور رئيسية:

1. التعاون الدبلوماسي: يتضمن إنشاء أطر حوار ثنائية لتعزيز المواقف المشتركة في الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي. هذا يؤسس لتعاون فعال في المحافل الدولية.

2. التنمية الاقتصادية: يشمل دعم المشاريع المشتركة في البنية التحتية، والصناعة، والطاقة، والزراعة، والسياحة، والتحول الرقمي، وتوقيع اتفاقية تجارة حرة بين البلدين. هذه المحاور تشكل أساسًا لشراكة اقتصادية قوية.

3. السلام والأمن: يتضمن التنسيق بشأن الاستقرار الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، واستراتيجيات منع النزاعات. هذا يؤكد على أهمية التعاون الأمني للحفاظ على الاستقرار.

4. التعليم والبحث: يشمل إطلاق مراكز فكرية وبرامج تبادل أكاديمي. هذا يساهم في بناء القدرات وتبادل المعرفة.

5. الدبلوماسية الثقافية: تتضمن تعزيز المهرجانات التراثية الإفريقية المشتركة، وتبادل المناهج التاريخية، ومبادرات اللغة. هذا يعزز الفهم المتبادل والتقارب الثقافي.

الخلاصة

تشكل هذه الوثيقة تحولاً نوعياً في مقاربة الفعل السياسي الجنوب إفريقي للعلاقة المغربيةالجنوب إفريقية. يعكس حزب MK من خلال مضامين هذه الوثيقة إيمانه بأن التحالف بين جنوب إفريقيا والمغرب سيشكل فصلاً مهماً في “النهضة الإفريقية”. هذه الشراكة، المتجذرة في تواريخ التحرير المشتركة والرؤية المشتركة، تُقدم كنموذج لكيفية بناء الدول الإفريقية لمستقبل أكثر إشراقاً “بأيدي الأفارقة ومن أجل الأفارقة”. هذا الطموح الكبير للحزب في تحقيق وحدة وتنمية إفريقية شاملة، من خلال شراكة استراتيجية مع المغرب، يأتي في سياق سياسي داخلي جنوب إفريقي متغير. فقد صرح حزب التحالف الديمقراطي، الشريك الحكومي في جنوب إفريقيا، بأن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الذي يحكم البلاد منذ عام 1994، لم يعد بإمكانه احتكار توجهات السياسة الخارجية، خاصة بعد “النكسات الدبلوماسية” الأخيرة. ومع حصول حزب المؤتمر الوطني الإفريقي على 39% فقط من المقاعد في البرلمان، لم يعد يتمتع بأغلبية مطلقة، مما يستلزم التشاور مع شركائه في حكومة الوحدة الوطنية حول أجندة السياسة الخارجية. هذا التحول في المشهد السياسي الداخلي لجنوب إفريقيا، بما في ذلك دخول حزب MK كقوة ثالثة في البرلمان، يفسح المجال أمام مواقف جديدة ومراجعة للسياسات الخارجية، مما يجعل توقيت صدور وثيقة حزب MK ذا دلالة خاصة.

 

 

 

 

 

 

المصدر: العمق المغربي

شاركها.