تحقيق وتعذيب)
لم يكن الشاب عدي عليلوش ذي العشرين ربيعا يدري وهو يتقدم بطلبه للانضمام إلى القوات المسلحة الملكية للدفاع عن حوزة التراب الوطني، سنة 1975، أنه سيؤدي فداءً للوطن جزءا من عمره وحريته على مدى 25 عاما من الأسر في سجون مرتزقة البوليساريو والجزائر…هناك سيذوق مختلف أنواع وصنوف التعذيب، وسيصل الى مرحلة فقد فيها الأمل في الحياة والعودة إلى أرض الوطن، بعدما شاهد المئات من زملائه يموتون جوعا أو تعذيبا أمام عينيه.
ولد عدي عليلوش، سنة 1955 ببلدة “النقوب” المعروفة بالقصبات و واحات النخيل بإقليم زاكورة،و التحق كما سبقت الإشارة بالقوات المسلحة الملكية في عام 1975، أثناء المسيرة الخضراء. وقضى بضعة أشهر في التدريب والتكوين العسكري بورزازات، ليتم إرساله بعد ذلك إلى الصحراء المغربية، حيث عمل في طانطان والسمارة والعيون. وما لبث أن وقع في الأسر رفقة ثلاثة من زملائه سنة 1976 ، أي بعد عام واحد فقط من انضمامه للجيش المغربي.
الحلقة الثانية: تحقيق وتعذيب
لم ينل التقدم في السن من ذاكرة عدي عليلوش، فما تجرعه من ألم ومرارة طيلة 25 سنة من الأسر والتعذيب الجسدي والنفسي لايفارق وجدانه، بل إنه لا يكل ولا يمل من إعادة حكي تفاصيله بالأسماء والأماكن وحتى بالتفاصيل الدقيقة لقسمات وجوه بعض من حققوا معه وعذبوه، بل إنه يتذكر تفاصيل ملابسهم التي لاتزال عالقة في مخيلته.
أول من كان في استقبال عليلوش ورفاقه عند وصولهم إلى جبل “توكات”، هم ضباط جزائريون وعناصر من البوليساريو، هناك يقول عدي “بدأ مسلسل التحقيق والتعذيب والضرب بالهروات والأسلاك، وجدنا جنودا مغاربة أُسِرُوا قبلنا في منطقة أمغالا وجروحهم قد اندملت لكن آثار الضرب بتلك الأسلاك على ظهورهم لازالت بارزة”.
لحسن حظ عْدِّي، كما ينطقها الأمازيغ، أنه لم ينل نصيبه من الضرب بالأسلاك كزملائه، لكنه تعرض للضرب بالهراوات واللكم والرفس، والصفع على الأذنين خصوصًا أثناء التحقيق معه، ويقول في هذا الصدد: “كانت هناك سيدة مكلفة بتدوين أجوبتي خلال التحقيق، وعندما أمتنع عن الجواب، تأمر أحد الحراس بضربي، وقد تسبب الضرب المتكرر في كسر على مستوى الأنف تلاه نزيف حاد”.
ولم يتوقف نزيف الدم رغم الإسعافات الأولية التي تلقاها، إلى أن أمرت تلك السيدة باستعمال روث الحمير (فضلات الحمير)، حيث فتحوا فمي، يضيف عدي عليلوش، بالقوة باستعمال سكين الكلاشينكوف وبدأوا في غمره بالفضلات إلى أن توقف الدم، مشيراً إلى أنه كان يظن في الأول أن الأمر يدخل في باب الانتقام والتعذيب ولكن تبين له فيما بعد أنها طريقة فعالة يستعملونها لوقف النزيف.
ورغم الإصابات التي تعرض لها خصوصًا الكسر على مستوى إحدى أضلاع قفصه الصدري، وما سببه له ذلك من عدم القدرة على التنفس والكلام، واصلت مرتزقة البوليساريو التعذيب والتحقيق مع عدي عليلوش، وتوجهوا له بأسئلة من قبيل: من هم أبرز المسؤولين في الجيش المغربي؟ وأين تدربوا؟ ومن أين تخرجوا؟ وما هي اختصاصاتهم؟ وما هي نوع الأسلحة التي لدى الجيش المغربي، وكم هو عددهم وكم عدد الطائرات؟ وأسئلة أخرى كان رد عليلوش عليها: “أنا جندي بسيط وحديث الالتحاق بالقوات المسلحة الملكية ولا أعرف شيئًا”.
ومضى مستطردا: “سألونا حتى عن الأحزاب المعارضة للنظام بالمغرب، والدول التي تدعم المملكة، ووصفونا بأننا عملاء أمريكا.. كنت أجيب دائمًا بأنني جندي بسيط، أقاتل من أجل قوت يومي”، مضيفًا أن لا أحد من رفقائه أيضا أجاب عن أي من أسئلة المحققين.
واستحضر عليلوش طُرفة وقعت معه أثناء التحقيق، حيث كان أحد الحراس في نفس سنه، يزعم أنه ابن عمته التي تزوجت جنديا من كلميم وتحولوا إلى ورزازات، وأنه عندما زارها سنة 1973 كان زوجها بنفس ملامح وقسمات وجه عدي، مضيفا أن هذا الحارس “ظل لصيقا بي ومتشبثا بأنني ابن عمته، واضطررت للحديث معهم بالأمازيغية لأؤكد له أنه مخطئ، لكنه أصر على أنني ابن عمته وأنني تعلمت الأمازيغية في ورزازات”.
وتابع: “سألني أيضًا أين تدربت، وأخبرته أن ذلك كان في ورزازات، وبعدها انتقلنا إلى طانطان ثم السمارة فالعيون، وبعدها تم أسرنا، فسكت قليلا وأمعن النظر فيَّ، قبل أن يسألني هل سبق لك أن رأيتني في مكان ما، لكن مع الضرب كانت عيناي منفوختين ولم أكن أبصر جيدًا، لكن حاولت إمعان النظر فيه، وأخبرته أنني قد أكون رأيته يومًا في تنغير أو بومالن دادس”.
يتبع ..
المصدر: العمق المغربي