تحقيق المخطوطات يتحدى الواقع .. والحزم يحد من “السرقة العلمية”
إشكالات عديدة تواجه تحقيق المخطوطات المغربية العربية، وإتاحتها للجمهور الواسع، حتى تسهم في “حفظ الشخصية المغربية وصيانة الهوية الوطنية”.
ومن مشاكل النشر وأولويات المؤسسات العلمية، إلى تكوين المحقّقين وغياب سياسة وطنية للتعامل مع هذا التراث، مرورا بمدى الحزم في التعامل مع السرقات العلمية، تعدد الأكاديمية نجاة المريني ما خبرته طيلة عقود قضتها في التعامل مع المخطوط والنقاش حول تحدياته وتكوين الطلبة المشتغلين به.
المريني، التي أنشأت أول وحدة لتحقيق المخطوط العربي بالجامعة المغربية، في جامعة محمد الخامس قبل أزيد من عقدين، تقرب قراء جريدة هسبريس الإلكترونية من وضع المخطوط الوطني، والتحديات التي تواجهه، والأطراف التي بيدها الحلول الممكنة.
ما الإشكالات التي تواجه تجميع وإحياء المخطوط المغربي؟
مشاكل إحياء المخطوط العربي والمغربي كثيرة، منها: ضعف المستوى التعليمي للطالب بصفة عامة، وهذه مشكلة كبيرة نعاني منها، والحديث عنها طويل وعريض، ليس هنا مجاله؛ وعدم التمرس في قراءة الخطوط المتنوعة للمخطوطات على اختلاف موضوعاتها (أدب: شعر ونثر)، تاريخ، فلسفة، لغة، إلخ… إذ لكل نص كيفما كان ذاتيته وخصوصيته.
كذلك ذاتية الطالب المحقق، هل يمتلك أهلية لتحقيق النص المخطوط؟ وثقافته: عامة وخاصة، معرفية ولغوية. وأكبر مشكلة تواجه الطالب الذي يرغب في تحقيق النص هو إيمانه بالعمل في الميدان.. إنَّ أكبر مشكلة تتعلق بالإنجاز هي أَنْ يعشق المحقق النص المخطوط، لا أن يعمل دون حب أو عشق، وهذا ما لا يتوفر في الطالب المحقق. ومن المشاكل السرعة والعجلة، إذ الدربة على القراءة المتأنية أمر ضروري لحسن قراءة المخطوط، وهذا أمر غير متوفر؛ فالتعامل مع المخطوط يقتضي صبرا كثيرا، باعتبار الصبر مفتاحَ الولوج إلى محبة المخطوط.
ما الحل للحـدّ من السرقات العلمية وقرصنة التحقيقات؟
صحوة الضمير، وهذا يعود إلى التربية السليمة، ما ليَ ومَا عَلَيَّ.. وتوفر الطالب على استعداد نفسي يتيح له ممارسة مثل هذا العمل.
تحقيق أي نص تراثي يقتضي الجواب عن الأسئلة الآتية:
هل يمتلك الطالب معرفة بالمادة؟ ويجب خضوعه لاختبار لغوي ومعرفي للاستئناس بقدرته على العمل في الميدان، وهل يمتلك أدوات الآلة من نحو وصرف وبلاغة وغيرها؟ وهل يمتلك ثقافة عامة تتعلق بالبحث؟ وهل سبق له التعامل مع المخطوط؟.
يوجد اعتقاد بأن تحقيق النص التراثي موضة العصر، لذلك يحقق الطالب حلم الحضور في الساحة بحضور باهت وضعيف، وبسبب الرغبة في تحقيق النجاح على حساب الغير يجد في كتابة غيره (تحقيقا أو دراسة أو غيرها) مطِـيَّـةً لحضور آثِـمٍ في غـفلة من صاحب الحقوق.
من الضروري خلق وظيفة عـالم (محتسب) ينظر في السارق والمسروق، والعمل على اختبار دقيق يسبق تسجيل أي طالب يرغب في ممارسة تحقيق النصوص، وأن تنظر لجنة علمية في طلب من يرغب في التحقيق، أي تنظر في قدرات هذا الطالب ومؤهلاته العلمية واللغوية.
إن قرصنة جهد الآخر جريمة يجب أن يُعاقب عليها القانون كي يكون المقرصن عبرة لكل من يجرؤ على ذلك، فـيُرفض عمله جملة وتفصيلا، وترفضه المطبعة أيضا، حيث يجب أن تكون لها لجنة علمية تنظر في كل الأعمال المقدمة لها فحصا وتقييما، لتجيز الطبع أو عدمه، وهذا لا يتوفر مع الأسف، لذلك تعـجُّ المكتبات بالصالح والطالح. ويلاحظ مؤخرا صدور كتب محققة عن دور نشر تجارية في المشرق والمغرب.. يندِّد الباحثون ويستنكرون في الجرائد والمجلات، لكن ما من مجيب.
ألا تحتاج التحقيقات المعدّة في الجامعات المغربية دعما من المؤسسات وأصحاب رؤوس الأموال؟
بلى، تحتاج إلى ذلك لتشجيع الباحث المجدّ المؤهل لتحقيق أي نص، لتوفره على كل العوامل الإيجابية المشار إليها، وعلى الاستعداد النفسي لممارسة العملية، لكن لا حياة لمن تنادي، إذ يُـعتـقـد أن العمل في تحقيق النصوص غير مفيد وغير مجـد، ورغم وجود هيئات عليا تدعـو المؤسسات المالية إلى تمويل الإنتاجات المختلفة للبحوث الجامعية فأذنها غير صاغية، كما هو الشأن بالنسبة للمطابع، فهي تموِّل كل عمل كيفما كان نوعه مادام يـدرُّ ربحا (وسؤال المطبعة دائما عندما تعرض عليها عملا تراثيا للطبع: هل سيجد له ساحة للبيع المضمون؟) إن العمل التراثي لا يشغلها، وهذا مُلاحظ دون نقاش.
هل توجد سياسة وطنية تجاه هذا التراث المغربي أو أن التحقيق والاهتمام به مقتصر على مبادرات بحثية فردية للأساتذة والطلبة؟
إذا اطلعت على مطويات نشرات المطبوعات في ما يتعلق بالكتب المحققة ستفاجأ، لأن النسبة قليلة جدا جدا، فالمطبعة لا تشجع على الإقبال على تحقيق العمل التراثي؛ لأنها تعتقد أنه غير مربح، كما أن المؤسسات العلمية لا تشغل بالها بذلك، إلا القليل.
إن الباحث في الميدان التراثي والمؤمن به لا يشغل باله بالخسارة التي يعانيها بسبب عدم الإقبال على طبع عمله التراثي، وعدم الترويج له، لذلك تبقى الجهود الفردية لتتحدى الواقع، فنقدم بعد الجهد والكد على المغامرة بطبع العمل التراثي والسعي إلى التعريف به بفخر واعتزاز، وهذا ما نعيشه اليوم.
المصدر: هسبريس