لا تبدو فئة الشباب في المغرب متحمسة بما فيه الكفاية لوضعيتها في المملكة، إذ تظل متمسكة بتسريع وتيرة التفاعل الحكومي مع مطالبها الاقتصادية والسياسية والمجتمعية والثقافية أيضا، بغرض ضمان تموقع جيد لها في صلب السياسات العمومية، بل والمساهمة في إعدادها.

ومن أبرز ما تطالب به هذه الفئة المجتمعية في المغرب، بمناسبة عيد الشباب، توفير كافة الشروط التي من شأنها السماح لها بالنفاذ السلس إلى سوق الشغل، سواء ككفاءات أو كأصحاب مبادرات اقتصادية، وضمان تموقعها الجيد في الحقل السياسي، إلى جانب تنزيل كل ما نص عليه دستور المملكة، لاسيما إخراج المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي.

وتسجل نسبة البطالة في صفوف الشباب في المغرب أرقاما مرتفعة، حيث تصل في صفوف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 25 و34 سنة إلى حوالي 21,9 في المائة؛ في حين تبلغ في صفوف الأفراد الذين تقل أعمارهم عن 24 سنة حوالي 35,8 في المائة.

“جواز الشباب”

سبق لمحمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، أن أعلن عن تعميم خدمات “جواز الشباب” بالمغرب، الذي يهم الفئة المجتمعية ما بين 16 و30 سنة؛ وهي الخدمات التي تضمن “الاستفادة من ولوج صالات العرض السينمائي والتنقل بتخفيضات مشجعة وولوج المآثر التاريخية بالمجان وتخفيضات في شراء السكن، فضلا عن خدمات متعلقة بتعلم اللغات (..)”.

وحسب المسؤول الحكومي عينه، فإن عدد المستفيدين من هذا الجواز بلغ، مطلع السنة الجارية، ما مجموعه 250 ألفا من خدماته التي تشمل النقل والرياضة والثقافة والأنشطة الشبابية، بعدما سبق لحوالي 100 ألف شاب وشابة أن شاركوا في مرحلته التجريبية التي همت، قبل أزيد من سنتين، جهة الرباط ـ سلا ـ القنيطرة.

وعلى الرغم من تعميم خدمات هذا الجواز فإن المهتمين بشؤون الشباب بالمغرب يشيرون إلى صعوبة تحقيق التوازن والعدالة بين الفئة الشابة في الاستفادة من هذه الخدمات، بفعل التفاوت الحاصل بين جهات المغرب وبين العالمين القروي والحضري فيما يرتبط بالبنيات التحتية.

تنزيل المقتضيات الدستورية

متحدثا عن الموضوع في شموليته، قال ياسين إصبويا، رئيس المنتدى المتوسطي للشباب بالمغرب، إن “شباب المملكة لم يعد ينتظر مجرد الاعتراف بأهميته؛ بل يتطلع إلى سياسات عمومية فعلية تضمن له تكافؤ الفرص في التعليم والتشغيل وريادة الأعمال، وتفتح له المجال للولوج إلى فضاءات المشاركة والإبداع”.

وأضاف إصبويا، في تصريح لهسبريس، أن “المطلوب اليوم هو الانتقال من منطق الوعود إلى منطق الأثر الملموس على أرض الواقع، موازاة مع حديث الملك محمد السادس، ضمن خطابه الأخير، عن “مغرب السرعتين”؛ وهو الواقع الذي ينطبق أيضا على فئات المجتمع”.

واعتبر المتحدث عينه أن “استمرار هذا الوضع يكرس فجوة مجتمعية حقيقية ويضعف فرص التنمية المتوازنة؛ مما يستدعي إعادة النظر في طريقة صياغة وتنزيل السياسات الموجهة للشباب”.

ومن منطلقه عضوا سابقا باللجنة الاستشارية المكلفة بإعداد مشروعي قانون الشباب وقانون المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، شدد ياسين إصبويا على ضرورة تسريع وتيرة تفعيل مقتضيات الدستور المغربي، خصوصا الفصلين 33 و170 اللذين ينصان على مشاركة الشباب في الحياة العامة وعلى إحداث المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي.

وفي تقييمه لبرامج الحكومة الحالية الموجهة للشباب، أبرز رئيس المنتدى المتوسطي للشباب بالمغرب أن “الأمر يتعلق بمجهودات متفرقة لا ترقى إلى مستوى الاستراتيجيات المتكاملة؛ على اعتبار أن الظرفية الحالية تحتاج إلى تحقيق العدالة المجالية في توزيع المشاريع والاستثمارات، بما يمكن من تقليص الفوارق ما بين المدن والقرى”.

وبخصوص ولوج العمل السياسي، شدد العضو السابق في اللجنة الاستشارية للشباب بجامعة الدول العربية على “ضرورة تشبيب النخب السياسية المغربية لتمكين الشباب من لعب أدوار حقيقية في التنمية”، مبرزا أن “الشباب يحتاج قبل كل شيء إلى رسائل ثقة تجعله شريكا فعليا في مستقبل البلاد”.

شباب القرى والأرياف

في سياق ذي صلة، أكد عبد الله البوزيدي، رئيس “منتدى الشباب القروي”، أن “الشباب المغاربة عموما، والمنحدرين من العالم القروي على وجه الخصوص، يعانون من تهميش واضح في السياسات العمومية، على الرغم من أنهم يشكلون فئة مجتمعية واسعة”.

وأوضح البوزيدي، في تصريح لهسبريس، أن “هذه الفئة لا تستفيد من الخدمات الأساسية، خصوصا من حيث الفضاءات الشبابية والتأطير”، مشيرا إلى أن “ما هو متوفر لا يتجاوز بعض ملاعب القرب؛ في حين تفتقر القرى إلى أبسط البنيات التحتية التي تعزز اندماج الشباب وتنمي قدراتهم”.

وحسب المتحدث نفسه، فإن “العالم القروي يزخر بطاقات شابة كبيرة، وكثير منهم واجهوا صعوبات في مسارهم الدراسي؛ لكنهم نجحوا بإرادتهم الفردية، وهو ما يدل على أن المشكلة لا تتعلق بالكفاءة، بل بغياب المواكبة والدعم”.

كما انتقد رئيس “منتدى الشباب القروي” ما وصفه بـ”تسييس وتحزيب التعامل مع قضايا الشباب القروي”، داعيا في السياق نفسه إلى “العمل على إدماج هذه الفئة ضمن رؤية وطنية واضحة وشاملة”.

وبالرغم من بدء الحكومة الحالية في تنزيل بعض البرامج الخاصة بالشباب، فإن البوزيدي لمح إلى “محدودية استفادة شباب المجال القروي منها؛ بالنظر إلى افتقار هذا الوسط لعدد من المرافق المعنية بهذه البرامج”، مشددا على “ضرورة تشجيع تنظيم جامعات صيفية وخريفية ممولة بشكل كافٍ”.

ولم يتوقف الفاعل المدني سالف الذكر عند هذا الحد؛ بل اقترح إفراد أبناء هذا المجال الجغرافي بمنحٍ دراسية مشجعة، بغرض ضمان العدالة المجالية والفرص المتكافئة مع نظرائهم بالمدن، مع العمل على تنفيذ كل ما له علاقة بفئة الشباب على مستوى دستور المملكة”.

المصدر: هسبريس

شاركها.