في عالم يتسارع فيه النمو السكاني وتتعاظم فيه التحديات الاقتصادية، يبرز خطاب رئيس مجموعة البنك الدولي، أجاي بانغا، في حديثه حول AgriConnect كمنارة تسلط الضوء على قضايا محورية تتعلق بالأمن الغذائي وخلق فرص الشغل، خاصة الدول النامية. بانغا، بخطابه التحليلي، لم يكتفِ برسم صورة للواقع، بل قدم رؤية استراتيجية متعددة الأوجه لمواجهة هذه التحديات.
فجوة مناصب الشغل: قنبلة موقوتة في الأفق
أحد أبرز الأرقام التي تثير القلق في خطاب بانغا هو التباين الصارخ بين أعداد الشباب الذين سيبلغون سن الرشد وفرص العمل المتاحة لهم. ففي غضون الـ 10 إلى 15 عامًا القادمة، سيصل حوالي 1.2 مليار شاب إلى سن العمل في الدول النامية. ومع ذلك، ووفقًا للاتجاهات الحالية، لن يتم توفير سوى 400 مليون وظيفة. هذا يعني أن هناك 800 مليون شاب قد يجدون أنفسهم بلا عمل، وهي فجوة هائلة قد تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وهجرات جماعية بين الدول أو داخل الدول نفسها، مما يهدد الاستقرار العالمي.
يرى البنك الدولي أن الحل يكمن في التركيز على خمسة قطاعات رئيسية لديها القدرة على خلق الوظائف: البنية التحتية، الصناعات الزراعية، الرعاية الصحية، السياحة، والصناعات التحويلية ذات القيمة المضافة. وتأتي الصناعات الزراعية في صدارة هذه القطاعات، ليس فقط لقدرتها على توفير فرص العمل، بل أيضًا لدورها الحيوي في تلبية الطلب العالمي المتزايد على الغذاء.
الزراعة: مفتاح الأمن الغذائي والنمو الاقتصادي
تتوقع التقديرات أن يزداد الطلب العالمي على الغذاء بأكثر من 50% خلال العقود القادمة. وهنا تبرز أهمية الدول النامية، التي تمتلك الموارد الأساسية لتحقيق الأمن الغذائي العالمي. أفريقيا، على سبيل المثال، تحتضن 60% من الأراضي الصالحة للزراعة غير المستغلة في العالم، بالإضافة إلى إمكانية زيادة غلة الأراضي المزروعة حاليًا. أمريكا اللاتينية، من جانبها، تنتج بالفعل ما يكفي لإطعام أكثر من مليار شخص، لكنها تواجه تحديات في البنية التحتية.
ومع ذلك، يواجه القطاع الزراعي تحديات كبيرة، خاصة بالنسبة للمزارعين أصحاب الأراضي الزراعية الصغيرة. فـ 500 مليون مزارع صغير حول العالم ينتجون 80% من الغذاء، لكن أقل من عشرة بالمائة منهم يحصلون على تمويل تجاري. هذا النقص في الوصول إلى التمويل، بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية والتدريب والوصول إلى الأسواق، يبقي هؤلاء المزارعين في دائرة الزراعة الاكتفاء الذاتي فقط.
استراتيجية البنك الدولي: استثمار في المستقبل
لمواجهة هذه التحديات، وضع البنك الدولي استراتيجية طموحة ترتكز على مضاعفة التزاماته في الصناعات الزراعية لتصل إلى 9 مليارات دولار سنويًا بحلول عام 2030، مع هدف إضافي يتمثل في حشد 5 مليارات دولار إضافية. هذه الاستراتيجية مبنية على ثلاثة ركائز أساسية:
1. دعم صغار المزارعين: مساعدتهم على زيادة حجم وإنتاجية محاصيلهم.
2. ربطهم بسلاسل القيمة: دمجهم في سلاسل قيمة منظمة تزيد من دخولهم.
3. منع الاستغلال: حمايتهم من بيع أراضيهم بسبب نقص الائتمان أو التأمين أو الوصول إلى الأسواق.
ويشدد رئيس البنك الدولي، بانغا، على أهمية البنية التحتية والسياسات الداعمة، مثل أنظمة حيازة الأراضي الواضحة، ومعايير البذور والنظافة، بالإضافة إلى أساسيات مثل الري وتعبيد المزيد من الطرق القروية والتخزين والطاقة اللازمة لسلسلة التبريد. كما يبرز الدور المحوري للمنظمات التعاونية والحلول الرقمية، مثل أدوات الذكاء الاصطناعي البسيطة التي يمكنها مساعدة المزارعين في تشخيص أمراض المحاصيل، واختيار الأسمدة، والتنبؤ بالطقس، وإجراء المدفوعات الآمنة، مما يخلق سجلاً ائتمانيًا ويخفض تكلفة رأس المال.
دروس من أوتار براديش: نموذج للنجاح
ويختتم بانغا خطابه بالإشارة إلى ولاية أوتار براديش الهندية كنموذج عملي يثبت فعالية هذه الاستراتيجية. ففي هذه الولاية، تضافرت الجهود الحكومية والخاصة لتطبيق هذه المبادئ، مما أدى إلى نجاح ملموس. هذا النجاح يؤكد أن النموذج قابل للتكيف والتوسع على نطاق واسع، شريطة أن تعمل الحكومات والشركات وشركاء التنمية معًا في نفس الاتجاه.
إن رؤية البنك الدولي، كما قدمها أجاي بانغا، ليست مجرد أرقام وتوقعات، بل هي دعوة للعمل المشترك لبناء مستقبل أكثر أمانًا غذائيًا وازدهارًا اقتصاديًا، حيث يجد الشباب فرصهم وتزدهر المجتمعات.
المصدر: العمق المغربي