تحديات مالية تعوق التعويل على الجماعات لتمويل إحداث صندوق دعم المنح
تباينت تعليقات محللين وباحثين في الشأن الاقتصادي حول إمكانية التعويل على الجماعات الترابية لتمويل إحداث صندوق لدعم المنح والسكن الجامعي، لأجل تسريع تعميم هذه الخدمات الاجتماعية الحيوية على كافة الطلبة المنتمين إلى الطبقات محدودة ومتوسطة الدخل؛ بعدما أقر عبد اللطيف ميراوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، مؤخرا، بأن هذه الخدمات “تمثل تحديات مجتمعية تتجاوز نطاق قطاع التربية الوطنية لوحده، وتتطلب تعاونا شاملا”، بتعبيره.
وشدد ميراوي، الذي كان يتحدث ضمن جلسة للأسئلة الشفهية لمجلس النواب، يوم الاثنين، على ضرورة “إشراك الجماعات المحلية في مواجهة هذه التحديات، حيث يجب العمل على إحداث صندوق لدعم المنح والسكن الجامعي، والتعاون بيننا”، وفقه.
ولا يلقى مقترح ميراوي تأييدا من لدن بعض الباحثين، الذين أكدوا أن “الجماعات الترابية بمختلف أنواعها لا تزال تعيش أساسا على الدعم العمومي المقدم لها من الميزانية العامة”، لافتين إلى أنه “من غير المنطقي، في الوقت الذي تقر فيه الحكومة بالتحديات المالية التي تعيشها هذه الجماعات، من خلال رفع حصتها من مداخيل الضريبة على القيمة المضافة إلى 32 في المائة، أن تُطالبها الدولة بتخصيص جزء من مواردها المالية للصندوق سالف الذكر”.
بالمقابل، شدد آخرون على أن “تعميم الاستفادة من المنح والسكن الجامعي يتطلب موارد مالية مهمة تفوق طاقة ميزانية الوزارة الوصيّة؛ وبالتالي فإن مساهمة الجماعات الترابية في تمويل هذا الصندوق ضرورية”، رافضين “الحديث عن عجز مالية هذه الجماعات عن دعم هذه الخدمات الاجتماعية، بالنظر إلى أنها هي من تتحمل أساسا تمويل خدمات أخرى ذات كلفة كبيرة، على رأسها خدمة النقل المدرسي”.
“فكرة صعبة التطبيق”
جواد لعسري، أستاذ مختص في المالية العامة والتشريع الضريبي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، قال إن “فكرة تمويل الجماعات الترابية، سواء منفردة أو بمعية فاعلين آخرين، لصندوق خاص بدعم المنح والسكن الجامعي صعبة إن لم تكن مستحيلة التطبي؛ بالنظر إلى أن الجماعات الترابية بمختلف أنواعها، جهات وعمالات وأقاليم، لا تزال تعيش على الدعم العمومي/الموارد المحولة المقدمة لها من الميزانية العامة للدولة”.
وعدّ لعسري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “من غير الممكن، في الوقت الذي يطالب فيه رؤساء الجماعات، على سبيل المثال، بزيادة حصتها من الضريبة على القيمة المضافة من أجل مساعدتها على مواجهة الإكراهات المالية الجمّة التي تعترض إنجازها لمشاريعها التنموية، أن نطلب منها المساهمة في تمويل تعميم المنح والسكن الجامعي”.
واستحضر المتحدث ذاته أنه “بمقتضى مشروع قانون المالية لسنة 2025، تعتزم الحكومة الرفع من حصة الجماعات من مداخيل الضريبة على القيمة المضافة إلى 32 في المائة”، متسائلا في هذا الشأن: “كيف يمكن للحكومة أن تعترف بمواجهة هذه الجماعات لتحديات مالية، من خلال الرفع من قيمة الدعم العمومي لها، وفي الآن نفسه تُفكر في الحصول منها على موارد مالية للصندوق سالف الذكر”.
وزاد: “حتى الجهات بدورها لا تزال غير قادرة على ضمان استقلالها المالي؛ إذ بموجب المشروع ذاته فإن حصتها من كل من مداخيل الضريبة على الدخل والضريبة على الشركة مستقرة في 5 في المائة”.
ودعم الأستاذ المختص في المالية العامة والتشريع الضريبي “تحمل الميزانية العامة لوحدها الكلفة المالية للمنح والسكن الجامعي، تزامنا مع البحث عن حلول جدية تتعلق أساسا بمراجعة الميكانيزمات والشروط اللازمة للاستفادة من هذه الخدمات الاجتماعية”، بتعبيره.
وشدد المتحدث ذاته على “توفر المغرب على ترسانة تشريعية من شأنها أن تجعل الجماعات الترابية المغربية ثرية، حيث منحها القانون رقم 06.47 الحق في استخلاص أكثر من عشرة رسوم؛ إلا أن هذه الجماعات لا تزال تعاني سوء حكامة في تحصيل هذه المداخيل الذاتية، بسبب اعتبارات سياسية وحزبية تتجلى أساسا في امتناع العديد من رؤساء الجماعات عن تحصيل هذه الرسوم من المواطنين والأعيان الذين يساندونهم في الحملات الانتخابية”.
وأوضح أن “هذه الاعتبارات تشكل عائقا أمام تطوير مالية الجماعات؛ وبالتالي زيادة قدرتها على المساهمة في توفير الخدمات الاجتماعية للمواطنين، وضمنها المنحة والسكن الجامعي”.
“مساهمة الجميع”
محمد جدري، محلل اقتصادي، قال إن “تعميم المنح والسكن الجامعي على جميع الطلبة المنتمين إلى الطبقات محدودة ومتوسطة الدخل يتطلب موارد مالية مهمة وكبيرة من الصعب على ميزانية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار أن توفرها”.
وأضاف: “من هذا المنطلق، فإن إحداث صندوق لدعم المنحة والسكن الجامعي تُشارك الوزارة فيه إلى جانب فاعلين آخرين في تمويله سيكون خطوة مهمة في اتجاه رفع عدد المستفيدين من هذه الخدمات الاجتماعية، التي يشكل عدم الولوج إليها عائقا أمام استكمال الدراسة الجامعية بالنسبة للعديد من الطلبة”.
سجل جدري، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “الجماعات الترابية، وخصوصا الجهات والأقاليم، مثلما هي قادرة على توفير حافلات النقل المدرسي لفائدة الآلاف من التلاميذ بالأسلاك الابتدائية والثانوية، فإنها قادرة على المساهمة في تمويل خدمات المنح والسكن الجامعي للطلبة”، لافتا إلى أن “مساهمة الجماعات في تمويل الصندوق قد يتم حصرها، على سبيل المثال، في 25 في المائة، على أن تتكفل الحكومة والقطاع الخاص بتوفير الموارد المالية الأخرى”.
وشدد المحلل الاقتصادي عينه على أن “شركات القطاع الخاص ينبغي أن تضطلع بمسؤوليتها في هذا الجانب، إذ لا يعقل أن تستفيد من الكفاءات التي تتخرج من المؤسسات الجامعية والمعاهد العليا دون أن تساهم في كلفة تكوينها”، مسجلا أن “هذه الشركات مطالبة، على سبيل المثال، بالإضافة إلى تقديم مساهمات مالية مباشرة في الصندوق، بأن تقوم بتوفير تداريب مدفوعة لفائدة الطلبة خلال فترة دراستهم الجامعية أو تكوينهم المهني”.
المصدر: هسبريس