حذر وزير الخارجية المصري الأسبق، نبيل فهمي، من أن الجهود الرامية إلى منع انتشار الأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط تواجه تحديات عميقة ومتشابكة، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وتعثر المبادرات الدبلوماسية، مشيرًا إلى أن معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية لا تزال بعيدة عن دخول حيز التنفيذ في المنطقة، رغم ما توفره من آليات تحقق متطورة وبنية تعاون دولي فريدة.
وفي مقال تحليلي نُشر بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أوضح فهمي أن الوضع النووي الإقليمي يشهد تقلبات حادة، لاسيما في ضوء الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها إسرائيل والولايات المتحدة ضد البرنامج النووي الإيراني، إلى جانب إعادة فرض العقوبات من جانب الدول الأوروبية. وقال إن هذه التطورات أعادت إلى الواجهة التساؤلات حول مستقبل الانتشار النووي بالمنطقة.
وأشار الوزير الأسبق إلى أن منطقة الشرق الأوسط تفتقر إلى الثقة، وتتسم بصراعات مستمرة ومخاوف وجودية، دفعت بعض الدول إلى التفكير في خيار الردع النووي، وإن كانت أغلبية دول المنطقة لا تزال تمتنع عن اتباع هذا المسار. غير أن السياسات الإسرائيلية، وما يُشتبه بأنه برنامج تسلّح نووي خارج معاهدة منع الانتشار، تمثل بحسب فهمي معضلة مستمرة تقوّض أي مسعى لإرساء منطقة خالية من السلاح النووي.
تباين في المواقف
فيما لم تُصدّق إسرائيل وإيران ومصر حتى الآن على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، فإن تركيا صادقت عليها، فيما تتفاوت التزامات باقي الدول العربية بين العضوية الرسمية والانخراط المحدود في نظام التحقق، حسب فهمي.
وذكر الوزير المصري الأسبق أن القدرات النووية الإسرائيلية تبقى الأكثر غموضًا في المنطقة، لافتًا إلى أن تل أبيب لم تؤكد أو تنف امتلاكها لترسانة نووية، بينما تشير التقارير إلى أن برنامجها النووي يُدار انطلاقًا من مفاعل ديمونا ومراكز أخرى.
أما إيران، فهي موقّعة على معاهدة عدم الانتشار وتخضع لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكنها وفق الوكالة واجهت مرارًا قضايا تتعلق بالامتثال. وقد شهد برنامجها تقدمًا بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في 2018، بما في ذلك زيادة قدراتها على التخصيب ورفع مخزوناتها، الأمر الذي أثار قلقًا واسعًا لدى أطراف إقليمية ودولية.
وفي تحليله للمشهد الإقليمي، أكد فهمي أن غياب التوازن بين التزامات دول المنطقة يقوّض معاهدة عدم الانتشار النووي نفسها، مشيرًا إلى أن “الصفقة الكبرى” التي تقتضي تخلي الدول غير النووية عن تطوير السلاح مقابل نزع السلاح لدى القوى الكبرى تبدو اليوم وكأنها قد انهارت في الشرق الأوسط.
واعتبر أن استمرار إسرائيل في سياسة “الغموض النووي”، ورفضها الانضمام إلى معاهدة منع الانتشار، يغذّي شعورًا لدى دول عربية بأن هناك “حصرية نووية” غير مبررة، تدفع إلى ردود فعل قد تشمل السعي إلى تطوير القدرات النووية، وهو ما ينذر على حد تعبيره بدوامة تصعيد خطيرة.
معاهدة واعدة.. وفرص غير مستغلة
عن معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية (CTBT)، رأى فهمي أنها تمثل أداة واعدة لإرساء الاستقرار النووي، رغم أنها لم تدخل حيز التنفيذ بعد لغياب تصديق بعض الدول الأساسية المدرجة في ملحق المعاهدة، بينها دول من الشرق الأوسط.
وأوضح أن المعاهدة أنشأت نظام تحقق تقني متقدم يشمل أكثر من 300 محطة مراقبة قادرة على كشف التجارب النووية بدقة عالية، مشيرًا إلى أن التعاون مع هذه المنظمة الأممية يمكن أن يشكل مدخلًا لتدابير بناء ثقة تدريجية، حتى في ظل عدم التصديق الرسمي عليها.
وأضاف أن التزام دول مثل إسرائيل وإيران بوقف تجاربها النووية والسماح بالتفتيش الدولي على منشآتها يمكن أن يوجه رسالة تهدئة، دون الحاجة إلى تفكيك فوري لقدرات التخصيب، كما أن انخراط هذه الدول في نظام التحقق لن يفرض عليها إعلان ترساناتها النووية أو التخلي عن برامجها المدنية.
ودعا نبيل فهمي إلى استثمار منصة منظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية لبناء مسارات تعاون تقني ودبلوماسي في المنطقة، مقترحًا البدء بترتيبات هادئة وثنائية، وزيارات طوعية، وتبادل للبيانات، وتدريب فني للمختصين، بما يكرّس ثقافة الشفافية ويؤسس لحوار دائم.
كما أوصى بأن تتواصل دول المنطقة مع المنظمة الأممية بما يراعي خصوصياتها الأمنية، على أن يتم التصديق على المعاهدة بشكل تدريجي كلما نضجت الشروط السياسية. وفي المقابل، طالب الشركاء الدوليين بتقديم ضمانات أمنية حقيقية للدول المنخرطة، تجنبًا للفراغات التي تُستغل سياسيًا.
وختم الوزير المصري الأسبق مقاله بالتحذير من أن استمرار الوضع الراهن غير المتوازن في المنطقة، والذي يتّسم بازدواجية المعايير في قضايا منع الانتشار، يشكل خطرًا جديًا على الأمن الإقليمي والدولي. مؤكدًا أن مسار الانخراط في معاهدة الحظر الشامل يجب أن يُبنى وفق تصور عقلاني ومتوازن يراعي أولويات الأمن ويعتمد معيارًا موحدًا على الجميع، دون استثناءات.
المصدر: هسبريس
