اخبار المغرب

تحالف حقوقي: الوضع في الصحراء مطمئن والجزائر لن تشارك في إنهاء الصراع إلا بإطلالة على المحيط (حوار)

قال عبد الوهاب الكاين، رئيس المنظمة الأفريقية لمراقبة حقوق الإنسان وكاتب عام تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، إن وضع الحقوق والحريات في مناطق الصحراء المغربية يبعث على الاطمئنان لعدة أسباب، أبرزها أن مناخ حقوق الإنسان في المغرب بشكل عام جيد، ويخضع لضوابط ترتكز على إرادة سياسية عليا تؤمن بسيادة القانون واحترام المؤسسات وحماية الحقوق والحريات كما هي منصوص عليها في الدستور لعام 2011.

وأضاف الكاين في حوار مع جريدة “العمق” أن مؤسسات إنفاذ القانون لا تدخر جهداً في دعم احترامه والحفاظ على حقوق الإنسان في هذه المناطق، بالإضافة إلى تعزيز الأمن والحفاظ على السلم الاجتماعي وتوفير احتياجات المواطنين، بما يضمن التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن ضمان التمتع بالحقوق المدنية والسياسية.

وأشار إلى أن التقارير التي تروجها جبهة البوليساريو والمنظمات الموالية لها بشأن حقوق الإنسان في الصحراء المغربية لا تتعدى كونها ادعاءات غير قابلة للرد عليها، رغم أنه لا مانع من توضيح أن تلك المزاعم عادة ما تظهر في توقيت قرب الاستحقاقات الأممية التي تناقش قضايا الديمقراطية والسلم وحقوق الإنسان.

وتابع الكاين أن الادعاءات المستمرة من جبهة البوليساريو والجزائر حول انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة أمر يثير السخرية، لأن هذه المزاعم تفتقر إلى أساس منطقي، وتتناقض مع سجل الجزائر وحركة البوليساريو. ونفى الاتهامات التي تصف الصحراء المغربية بأنها منطقة يتم فيها قمع الحريات الأساسية، خصوصاً فيما يتعلق بحرية التعبير والتنقل، مشيراً إلى أن الدولة لا تكتفي بحماية الحق في التنقل بل تدعمه أيضاً.

كما أضاف أن بعض تقارير المنظمات الدولية التي تصدر بين الحين والآخر لا تعكس حقيقة الواقع المعيشي في تلك الأقاليم، وأن المعلومات الواردة في تلك التقارير غالباً ما تكون مستوردة من غرفة عمليات البوليساريو ويتم تمريرها لتلك المنظمات باعتبارها حالات انتهاك، وفي حالات أخرى يتم اختلاق أحداث لا تأثير لها أو قيمة لتكييفها على أنها واقع قمعي يطال المدافعين عن حقوق الإنسان أو لوصف الوضع في الصحراء بالكارثي، وهو ما لم يحدث إطلاقاً، وإلا لكان قد تم الإشارة إليه، كما قال.

وفيما يخص دور الجزائر، أوضح الكاين أن الجزائر لم تنظر قط إلى الصحراويين باعتبارهم شركاء، ولم تعتبر نفسها حليفة لهم رغم ما تنفقه في هذا السياق، مشيراً إلى أن السلطات الجزائرية لن تشارك في إنهاء الصراع إلا إذا حصلت على جزء من الأراضي المطلة على المحيط الأطلسي لتصدير موارد الشعب الجزائري الطبيعية بتكاليف منخفضة.

وفي رده على مزاعم الجبهة الانفصالية بشأن طرد مجموعة من البرلمانيين الأوروبيين ومنعهم من زيارة مدينة العيون، أكد الكاين أن محاولة اقتحام التراب الوطني بشكل فاضح في خرق للأعراف القانونية والدبلوماسية أمر غير مقبول ولا يمكن السماح به، مضيفاً أن أي وفد، بغض النظر عن طبيعته، يجب عليه قبل زيارته التنسيق مع السلطات المحلية للحصول على الترخيص المناسب، ومن ثم الحوار مع الجهات الرسمية لبحث سبل التعاون وتسهيل المهمة.

وهذا نص الحوار كاملا:

  • ما هو تقييمكم للوضع الحقوقي في الصحراء المغربية في ظل الادعاءات المستمرة من جبهة البوليساريو والجزائر حول انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة؟

بالنسبة لتقييم الوضع الحقوقي في الصحراء المغربية، فهو أمر واجب لإبراز التمايزات الحاصلة بين المناطق المكونة لمختلف جهات المملكة، والوقوف على أسباب تلك الفوارق، ومدى استجابة الدولة والمؤسسات المركزية والجماعات الترابية وغيرها من الهيئات لحاجيات المواطن بالجنوب، لدراسة مدى تطابق الاستجابة للمتطلبات، وهل الولوج للحقوق والحريات مضمون بمقتضى القانون الوطني والدولي، وهل يقترن الالتزام بالممارسة الفضلى.

وفي هذا الإطار، أود أن أؤكد لموقعكم الصحفي، أننا في تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، وهو شبكة مكونة من ثلاث منظمات وهي منظمة أفيكا ووتش ومنظمة مدافعون من أجل حقوق الإنسان، والشبكة الدولية لحقوق الانسان والتنمية، أن واقع الحقوق والحريات مطمئن لأسباب عدة نذكر منها أن المناخ العام لحقوق الإنسان بالمغرب جيد، وتحكمه ضوابط تتوكأ على إرادة سياسية عليا تؤمن بسيادة القانون واحترام المؤسسات وحماية الحقوق والحريات كما هي مضمنة بالوثيقة الدستورية للعام 2011.

والمسألة الثانية، أن وضع حقوق الانسان في الأقاليم الجنوبية ممتاز، لاعتبارات نذكر منها أن مؤسسات إنفاذ القانون لا تتوانى في دعم احترامه والحفاظ على حقوق الانسان، ناهيك عن استتباب الأمن والمحافظة على السلم الاجتماعي وتوفير الحاجيات، في علاقة بضمان التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة الى كفالة التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، كالمشاركة في الانتخابات والاستفتاءات والترشح وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي، على الرغم من وقوع توترات بين الفينة والأخرى تتعلق أساسا بجنوح بعض مكونات الفضاء المدني الى تنظيم أشكال احتجاجية دون ترخيص مسبق أو الحيز الزمني لاستغلال الفضاء العام، او محاولة الهيمنة على الفضاء تعسفا على حقوق أخرى.

غير أن تحالفنا لم يقف على حالات انتهاكات جسيمة بخصوص تلك الحوادث او الحالات حتى في سياق فض التجمهرات غير المرخصة، أو التغاضي عن تنظيمها في بعض الحالات.

بقي أن نشير أن الادعاءات المستمرة من جبهة البوليساريو والجزائر حول انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة، أمر يبعث على السخرية تماما، لأن تلك المزاعم لا تستند الى أسس معقولة، بل وتتناقض مع سجل دولة الجزائر وحركة البوليساريو، وسأتقاسم معكم معلومات موثقة في عمل الأمم المتحدة والياتها الحمائية لحقوق الإنسان وكذا ممارسات الدولتين المغرب والجزائر الاتفاقية، لتتبينوا من صدق ما نقول أو لرجحان ادعاءات الجزائر والبوليساريو!

ففي إطار الالتزامات الدولية الناشئة عن مصادقة الدول على اتفاقيات حقوق الانسان الأساسية، تجدر الإشارة الى أن المغرب مصادق على الاتفاقيات التسع الأساسية لحقوق الانسان، ويحترم إجراءات تام تقديم التقارير ويتفاعل مع توصيات والملاحظات الختامية للجان المعاهدات، ويقدم ردودا كتابية مفصلة على بواعث قلق خبراء اللجان التعاهدية، بما يشمل اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري، حيث تم استعراض تقريره الأولي امام تلك اللجنة في شتنبر الماضي، وشارك بقوة في دعم تنسيق جهود تنظيم المؤتمر العالمي حول الاختفاء القسري، المنظم في 15 و16 يناير الماضي، بالإضافة الى تعاونه البناء مع الية الاستعراض الدوري الشامل، والزيات القطرية للمقررين الخواص، حيث تفاعل بالإيجاب مع توصيات الموجهة لبلدنا دون خجل، وحشد الموارد والجهود لتنفيذ الاستراتيجيات والخطط والالتزامات التي تعهد بتنفيذها أو بتقويمها أو بملاءمتها للقانون الدولي، ونكاد نجزم أن التشريعات الوطنية بالمملكة هي تشريعات لحقوق الانسان بامتياز.

أمام السياق الجزائري، فهو يحتاج إلى إصلاح شامل من حيث التشريعات الوطنية وكذا مسألة الملاءمة مع القوانين الدولية لحقوق الإنسان، ولن يتم ذلك في غياب إرادة سياسية لدعم تلك التطلعات المغيبة.

فاللجوء الى التضييق على الحقوق المدنية والسياسية ومصادرة الحريات النقابية والتضييق على مكونات الفضاء المدني، واتخاذ أساليب التعذيب والاختفاء القسري ديدنا للتحكم في المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ولد سخطا عارما لدى كافة افراد الشعب الجزائري، وخلف إرثا ثقيلا سيرهن استقرار البلد وصلابة نسيجه لعقود ما لم يستفق الحاكمون من غيهم، وترك الفرصة لصالحة وطنية حقيقة تفضي الى مسار عدالة انتقالية تطوي صفحة ماض وحاضر دام، خلف الى حدود الساعة أكثر 150 ألف قتيل وأزيد من 10 الاف مختفي قسريا، وجروحا غائرة في الذاكرة الجمعية الجزائرية لن تندمل سريعا بنفس العقليات السياسية البائدة وبنفس مقاربات خلق عدو خارجي للتحكم في الشأن الداخلي ووضع اليد على مقدرات الشعب.

يضاف ذلك ما يقع بمخيمات تندوف، وهو امر بغيض لحد الخيال، حيث أن ما وقع وما زال يقع يدخل في خانة جرائم الحرب والابادات الجماعية وعمليات القتل والإعدام خارج نطاق القانون والاختفاءات القسرية والتعذيب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة ذات الطبيعة الخاصة بمخيمات تندوف، لفرادة بشاعتها وعدم استيعاب حدوثها، لأن سياق تندوف ينفرد عن باقي سياقات الانتهاكات الجسيمة، بجسارة الجلادين على الانتهاكات دون حاجة الى التخفي على هوياتهم، بل يقدمون على أفعالهم الشنيعة على استهداف الضحايا على أساس الى مكونات اجتماعية محددة وليس على خلفية سياسية او دينية ولا يخفون ذلك حتى أثناء حصص التعذيب والحرق وقطع الأعضاء والكي بالنار وغيرها من السلوكات الوحشية.

ويجب القول بأن كل ما حدث، ما كان ليحدث لو تم اتباع قواعد القانون الدولي في علاقة بوضع هؤلاء الأشخاص وتم إحصائهم وتحديد مركزهم القانوني بموجب الاتفاقية الدولية لوضع اللاجئين وبروتوكولها الإضافي للعام 1967، تحت إشراف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، واحترام الدولة الحاضنة للمخيمات لالتزاماتها الدولية في عدم تفويت ولايتها القضائية والقانونية والتدبيرية للمخيمات الى كيان غير دولتي يعرف ب “البوليساريو”.

والخطير أن الانتهاكات الجسيمة الخطيرة ما زالت ترتكب باسم الحفاظ على الأمن ومكافحة التهريب وانشطة الخارجين عن القانون بالمخيمات وبمحيطها وعلى امتداد الحدود الموريتانية الجزائرية، بينما يتعلق الأمر في الحقيقة بعمليات قصف جوي وبري فظيع لصحراويين مدنيين عزل يعتاشون على التنقيب اليدوي على الذهب لإعالة أسرهم بالمخيمات أو ببوادي الريف الصحراوي القريب من تندوف، لاستحالة حصولهم على موارد عيش بالمخيمات، تكفل كرامة هؤلاء الأشخاص.

  • هل تعتقد أن التقارير التي تروجها جبهة البوليساريو والمنظمات المؤيدة لها حول حقوق الإنسان في الصحراء المغربية تتماشى مع الحقائق على الأرض، أم أن هناك تحريفًا للواقع؟

بالنسبة للتقارير التي تروجها جبهة البوليساريو والمنظمات المؤيدة لها حول حقوق الانسان في الصحراء المغربية لا تعدو كونها ادعاءات لا تستحق الرد عليها، ولكن لا بأس من التوضيح أن تلك المزاعم تنتشر دائما بمناسبة قرب استحقاقات أممية، تناقش القضايا الدولية كقضايا الديمقراطية والسلم وحقوق الانسان.

وبالتالي من حق طرح تساؤل حول كيف يمكن أن تروج جهة ما لادعاءات بارتكاب انتهاكات جسيمة في الصحراء دون تحرك المجتمع الدولي للتنديد بها، ومن جانب اخر، هل وصلت منظومة الأمم المتحدة الى حد الإفلاس للسكوت عما يروج له في أقاليم الصحراء المغربية، دون التنديد بذ لك أو شجبه؟

والغريب في الأمر، أنه حينما يتم توقيف سائق لسيارة في شوارع العيون بسبب مخالفة عدم وضع الحزام الواقي، يتم تكييفها الى مجموعة من الدكاكين الحقوقية المعروفة بعدائها للمغرب كانتهاكات جسيمة من الواجب تضمينها في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة ومراسلة المقرر الخاصة المعنية بالمدافعين عن حقوق الانسان والمقرر الخاص المعني بحرية الرأي والتعبير ووو، بينما قتل أكثر من عشرين صحراويا مدنيا من قاطني المخيمات، عبر قصف جوي مباشر بأربع صواريخ في منطقة إكيدي لا يستحق إثارته للنقاش، تفاديا لإحراج الحليف، بل ينخرط المناضلون الحقوقيون في مسرحية تكتم شديد لإبراز الولاء لقيادات البوليساريو، قصد الحظوة على حساب أرواح حصدتها الة حربية لا تبقي ولا تذر.

  • كيف تقيمون التنسيق بين السلطات المغربية والجهات الدولية في تعزيز حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية للمملكة؟ هل هناك جهود حقيقية من طرف الحكومة المغربية لتحسين الوضع الحقوقي؟

بخصوص مسألة التنسيق بين الدولة المغربية والجهات الدولية في مجال تعزيز حقوق الانسان في البلد وبالأقاليم الجنوبية على جه الخصوص، فتقييم الاليات الدولية وخبراء الأمم المتحدة وممثلي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أكثر مصداقية وحجية من تقييم منظماتنا، لتوفرها على قنوات تنسيق قوية مع المغرب، ولافتقارنا في بعض الحالات للخبرة اللازمة للتقييم وللمعلومات الموثوقة، أو لضعف سبل الولوج للمعلومة. وعلى هذا الأساس فقد عبرت الاليات الدولية لحقوق الإنسان في دورات استعراضها لتقارير المملكة المغربية أمام لجان المعاهدات، وأذكر مثلا اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التي تسهر على وفاء الدول الأطراف بالتزاماتها الدولية بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولجنة مكافحة التمييز العنصري واللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري ولجنة مكافحة كافة اشكال التمييز ضد المرأة، وهي اليات قدم لها تحالفنا تقارير موازية لتقارير المملكة المغربية وتفاعلنا مع خبرائها، وشاهدنا عن قرب كيف يقدر هؤلاء الخبراء ممارسة المغرب الاتفاقية نضج عمل مؤسساته في ميدان حقوق الإنسان، بالإضافة الى التقدمات المحرزة على مستوى إعداد وحماية بيئة امنة لمختلف مكونات الفضاء المدني، بما في ذلك الجمعيات التي تناصب العداء للمغرب، وتجهر بموالاتها للبوليساريو.

إن الحديث عن جهود تحسين حقوق الإنسان بالمملكة المغربية، لا يستقيم ما لم نؤمن بأن ما حققته المملكة خلال العقدين الأخيرين إنجاز عظيم في مجال تكريس لحقوق والحريات، المقترن بتوفر الإرادة السياسية القوية لرئيس الدولة جلالة الملك محمد السادس ومختلف مكونات الحركة الحقوقية وفسيفساء المجتمع المدني وانخراط كافة شرائح المجتمع، بما في ذلك ضحايا سنوات الجمر لبناء المغرب الحديث القائم على الحقوق والمقاربة المتعددة المنطلقات والتي تضمن تحقق العدالة والمساواة وبناء الإحساس الجماعي بالانتماء لهذا الوطن الثري بتعدديته والقوي بمؤسساته والناضج بإرادته فرقائه السياسيين مهما علا شأنهم أو دنى.

  • كيف تردون على الاتهامات التي تصف الصحراء المغربية بأنها منطقة تُمارس فيها قمع الحريات الأساسية، خصوصا فيما يتعلق بحرية التعبير والتنقل؟

المناخ في الصحراء المغربية معتدل فيما يخص ممارسة الحريات الأساسية، ولك أن تسأل مختلف المؤسسات أو منظمات المجتمع المدني أو الأشخاص العاديين في الأسواق أو في الساحات أو في المنازل، ولكم في الترخيص لما يقارب العشرة الاف جمعية مثلا بجهة العيون الساقية الحمراء مثال واضح على ضمان الحريات الأساسية، خصوصا ما تعلق بحرية الرأي والتعبير.

اما سؤالكم عن حرية التنقل، فالحديث عن ذلك من قبيل الحشو غير المفيد لأن القاصي والداني يعرف أن الدولة تدعم الحق في حرية التنقل بشكل واضح وجلي، ولا تحميها فقط، بل تدخلت منذ عقود للتخفيف من عبئها وتكلفتها المالية، سواء تعلق الأمر بالنقل البري أو الجوي، او منح أذونات المجانية للطلبة لمتابعة دراساتهم الجامعية، ودعم برامج المخيمات الصيفية ودعم منظمات المجتمع المدني للمشاركة في برامج تعزيز القدرات وغيرها من المشاريع الرامية الى تثقيف وتعزيز مهرات المجتمع المدني بمدن الشمال، وغيرها من المبادرات التي تكرس بشكل واضح الولوج المعزز للحق في حرية التنقل.

وبغية مقاربة سؤالكم من زاوية أخرى، سأعزز الإجابة بطرح سؤال اخر. متى يمكن القول بأن الصحراء خالية من قمع الحريات الأساسية، وفي ماذا يتجلى القمع؟ هل القمع هو توقيف الجانحين الذين يهددون امن الساكنة او من يعتقد أنه يمتلك كل شيء على حساب الأغلبية، ويبدأ في سب وقذف الكل، دون وازع أخلاقي ويجرح في المؤسسات وفي أعراض الأشخاص بغية التكسب والإثراء بريع يطفأ ظمأه، أم يجب أن نسكت عمن يروج لخطابات الكراهية والحقد والتمييز العنصري بين مختلف مكونات المجتمع دون رادع؟ أم إخلاء سبيل من يبعث بالأمن والتعايش السلمي بالمنطقة، لكي ننعت بأننا نضمن الحريات الأساسية.

وهذا في اعتقادي غير مقبول في أي مكان بالعالم، لأن الدول يقع على عاتقها ضمان التمتع بالحقوق وحمايتها، ولكن بالمقابل يجب الأشخاص الوفاء بواجباتهم اتجاه الدولة، وتعزيز أدوار المجتمع المدني في التثقيف والتأطير والتربية على المواطنية، باعتباره قوة اقتراحية تساعد الدولة على القيام بواجباتها على أكمل وجه.

  • ما رأيكم في سياسة المغرب الخاصة بتوسيع شبكة التعاون الاقتصادي والاجتماعي في الأقاليم الجنوبية؟ هل تعتبرون أن هذه المبادرات تسهم في تحسين حقوق الإنسان بشكل عملي؟

أنتم تعرفون تماما أنه الى حدود الساعة ان الدولة هي المشغل الأساسي والممول الرئيسي لبرامج التنمية المكلفة، وقد استمرت في هذا النهج لعقود، لكن هذا المسار أثبت محدوديته، لأن المقاربة في الأقاليم الجنوبية انتقلت من التدبير والاشراف اليومي المحفوف بالمخاطر وبمسببات الفشل الكثيرة والتعثرات إلى ابتكار نهج تشاركي بين مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والمدنيين لتحقيق نقلة نوعية من حيث اعتماد مشاريع مهيكلة للمنطقة ومساعدة في وضعها للترويج الدولي قصد جلب الاستثمارات بمعية مناطق كانت تعد الى أمد قريب مناطق جذب اقتصادي دولي.

الأمر الاخر، أن الدولة لم تكتفي فقط بإنجاز بنى تحتية عملاقة أو جلب استثمارات خارجية تساعد في خلق الثروة أو تشغيل المحليين، بل قامت بتوطين مؤسسات البحث العلمي ومراكز الاستشفاء الجامعية وسهلت الاستثمار المقترن بالإنجاز، وأعطت أولوية للدبلوماسية الاقتصادية التشاركية في إطار تعزيز اتفاقيات توأمة مع كيانات ترابية في الخارج ودعوتها الى استثمار كفاءاتها وقدرتها التمويلية بالجنوب واستدعاء الهيئات الناخبة في تعبئة الامكانيات وتكريس الجهود التنموية والخدمية لجعل النموذج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية واقعا ملموسا ذا أثر إيجابي حقيقي على حياة الناس ومصادر رزقهم ونوعية عيشهم وأنماط تفكيرهم وسبل ولوجهم للحقوق والحريات.

وفي هذا الصدد، فإننا نؤمن في تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية بأن ما قامت به الدولة بمقاربة متعددة الأبعاد كفيل بترجيح القناعات ودعم التطور المجتمعي وإحداث النهضة العمرانية والثقافية والفكرية والعلمية المرجوة، ناهيك عن التحصين الدستوري والقانوني للحقوق والحريات في المنطقة والتي لن ينكرها إلا جاحد.

  • هل تعتقد أن التقارير الصادرة عن بعض المنظمات الدولية يعكس صورة دقيقة للوضع الحقوقي في الصحراء المغربية؟ أم أن هناك تحيزا أو مغالطات في التقارير حول هذه المنطقة؟

نحن كمنظمات غير حكومية عاملة في مجال حقوق الإنسان من داخل الصحراء، دورنا لا ينحصر في تقييم المنظمات الدولية، ورؤيتها للوضع بالصحراء، على اعتبار أن التقارير التي تصدر بين الفينة والأخرى، لا تعكس ولم تعبر قط على حقيقة الواقع المعيش بتلك الأقاليم.

والمسألة الثانية أن المعلومات الواردة بتلك التقارير هي مستوردة في الغالب من غرفة عمليات البوليساريو ويتم تمريرها لتلك المنظمات لاعتمادها كحالات انتهاكات، وفي حالات أخرى وسياقات أخرى يتم فبركة أحداث على محدودية أثرها وقيمتها لتكييفها كواقع للقمع والتضييق على المدافعين عن حقوق الانسان او لوصف الحالة بالصحراء بالكارثية، وهذا ما لم نقف عليه قط، وإلا كنا قد أثرنا ذلك!

وقد وقفنا غير ما مرة على حجم الترويج للأخبار الزائفة وكذا على النية القصدية للإساءة مع علم مسبق أن تلك الاخبار والمعلومات غير صحيحة، لكن الأولوية عند مروجيها تنفيذ أوامر القيادة والحليف وليس تحري الصدق وتقاطع المعلومات لفحص معقوليتها وصحتها، وهنا ندخل في دوامة البحث عن تصحيح الصور النمطية التي تروج بعض الجهات عن واقع الحقوق والحريات بالصحراء، والذي ربما لا زال مستمرا، لأن من شأن انقطاع حرمان من أموال المساعدات الخارجية التي جابها من اطراف خارجية والتي استعمالها كذلك في شراء الذمم والولاءات داخل الخلية الواحدة فما بالك بالتنظيم ككل!

وعلاقة بمسألة التحيز، أنا فقط أريد أن أثير تساؤلات لم يتم الإشارة إليها قبل ذلك في التقارير العصماء لبعض المنظمات الدولية أو الجهات الداعمة للبوليساريو بالخارج وخصوصا بإسبانيا.

ما الذي يجعل المرء في حالة صمم مطبق أمام حالة اختفاء المستشار الخليل أحمد ابريه قسريا منذ خمسة عشر عاما خلت دون أن يقدر حتى على لفظ اسمه في مكان عام؟ وكيف لحركة تحررية تدعي خدمة الجماهير وتعتبر محمد بصيري ملهما لنشأتها، ولم تستطع قط فتح حوار مع السلطات الاسبانية حول ملابسات اختفائه ومصيره؟ ثم ألم يكن الترافع عن قتل عشرين صحراويا مدنيا أعزلا بدم بارد من قبل القوات العسكرية الجزائرية، أفضل من التشدق بالنضال والشعارات الجوفاء والترويج، لأنها لم تعد حيلة تنطلي أحد.

  • كيف تردون على المزاعم التي تروجها جبهة البوليساريو بشأن فرض المغرب لقيود على حقوق الصحراويين في اختيار مصيرهم؟

للأسف هذا ما كان يروج له في سنوات التسعينات، وكان يجد اذانا صاغية بفعل غياب الفعل المدني، ولعب دور الوساطة بين الدول والمواطن، لأن عدة عوامل ساهمت في اتشار أفكار مضللة حول تدخلات في المجال الحقوقي والاجتماعي والأمني والاقتصادي وكانت تكيف أنها سياسات تهدف الى تقزيم الصحراويين على أرضهم وفرض قيود على حقوقهم وحشرهم في الزاوية، لكن الواقع والتقييم الدوري لمختلف تدخلات الدولة، أو استقصاءا لنتائج مختلف الاستحقاقات الوطنية التي مرت بالمنطقة، أثبت العكس تماما.

فالصحراويون يستحوذون على مختلف تكليفات المسؤولية في تشكيلة الهيئات التمثيلية بمختلف مستوياتها، ويرأسون فروع الأحزاب السياسية الجهوية والإقليمية والنقابات ومختلف المصالح الخارجية للوزارات، وقابضون بتلابيب الإدارة العمومية وقطاع الخدمات وغيرها من الأماكن التي توفر الشغل للمواطن ويشغلون مناصب سامية بوزارة الداخلية وبالبرلمان وبالخارجية وغيرها من المؤسسات الدستورية. وبناءا على ذلك، أتساءل أين يرى أصحاب هذا الزعم هذه القيود؟ دعونا نراها لنتبين أن ما نقول مجرد كلام ليلي يمحوه ضوء وواقع النهار!

  • هل ترى أن جهود الجزائر في دعم جبهة البوليساريو تساهم في تعزيز حقوق الإنسان في الصحراء المغربية، أم أن دعمها يزيد من تعقيد الوضع الحقوقي ويسهم في استمرار النزاع المفتعل؟

دعنا نتفق أن مسألة بالغة الأهمية، وهي أن الجزائر لم تنظر قط للصحراويين بوصفهم شريكا ولم تعبر يوما نفسها حليفا، بالرغم مما تنفق بالعشي والاصال.

فالجزائر ترى منذ الستينات أن المغرب عدو يصعب التغلب عليه لحيويته ولقدرته على تجديد نسقه للأفضل وعدم ارتكانه لعقد الجغرافيا والتاريخ، ولذلك يجب فرملة تقدمة ونمائه لإشغاله في أزماته الداخلية انطلاقا من خلق متناقضات تعكر صوف مسيرته، ولم تكن حرب الرمال اخر تلك المحاولات.

فطرد 45 ألف مغربي صبيحة عيد الأضحى منذ خمسة عقود، لم تكن سوى جريمة نكراء بجميع المقاييس والشرائع السماوية والنظم القانونية السارية في أقاليم العالم الجغرافية الخمس، ولامتصاصه للصدمة بسهولة، جعلت من خلق نزاع حول الصحراء وتشتيت شمل الصحراويين حصان طروادة، لا هي ضمنت تقرير المصير المفضي للانفصال للبوليساريو، ولا هي جنحت للسلم واحترام قرارات مجلس الامن القاضية بالبحث عن حل سياسي عادل وقابل للتطبيق متفاوض بشأنه ينهي معاناة الصحراويين على أرض “الحليف”.

إن ما ترك الجزائريين يهرلون لنيويورك لاقتراح حل تقسيم الصحراء بين المغرب والبوليساريو، لينقضوا على إقليم الداخلة في بداية الالفية الثالثة، هو ما يحقنها بجرعات من التعنت اليوم لفرض انفصال بقوة التدليس والرشاوي وشراء الذمم ومحاولة إشعال حرائق هنا وهناك لإلهاء الجار الشمالي عن غايته، وهو ما أصبح العالم كله يعيه ويجيد التصرف إزاءه.

وسأصدقك القول إن قلت أن السلطات الجزائرية، لن تشارك في إنهاء الصراع إلا بحصولها على بقعة أرضية مطلة على المحيط الأطلسي لتصدير موارد الشعب الجزائري الطبيعية باقل تكلفة.

  • ما تعليقكم على ما تقول عنه الجبهة الانفصالية طرد لمجموعة من البرلمانيين الأوروبيين ومنعهم من زيارة مدينة العيون؟

قضية المدافعين عن حقوق الانسان والنشطاء حق أريد به باطل، لأن التشدق بالدفاع عن حقوق الإنسان، لا يجب أن يقبل إلا إذا كان مطبقا على الكل، كيف يمكن لمجموعة من البرلمانيين الأوروبيين أن يستغلوا جو الانفتاح الديمقراطي في الصحراء لخلق قلاقل في الفضاءات السيادية كالمطارات، لتصوير المشهد على أنه كارثي، ولن يستقيم إلا بحضور البرلمانيين الأوروبيين، وهذا أمر خاطئ. جاهل من يعتقد أن الأوروبيين أو غيرهم يمكنهم فرض امر واقع على نظام عام مطبق في دولة أخرى، وللك لا يمكن للدولة السماح لهؤلاء الأشخاص، ليس بسبب مواقفهم هم، ولكنهم يخدمون أجندات مفضوحة تحاول لي الدولة المغربية ومؤسساتها.

وانطلاقا من سلوكات مجموعة البرلمانيين هذه، تجدر الإشارة الى أن محاولة اقتحام التراب الوطني بشكل فج في ضرب للأعراف القانونية والدبلوماسية، أمر غير مقبول ولا يمكن السماح به، وإضافة الى ذلك ما القيمة المضافة التي سيضيفها هذا الوفد، دون أن يعلن عنها مسبقا، وكيف تقبل مجموعة برلمانية على نفسها القيام بمهمة استطلاعية دون التصريح ببرنامجها والتحاور مع السلطات قصد الاجتماع بهم، وطلب الترخيص بالالتقاء بأفراد وجماعات داخل إقليم من أقاليم الدولة؟

وأوكد لموقعكم الصحفي في هذا الباب أن أي وفد مهما كانت طبيعته، يلزمه مسبقا التواصل مع سلطات ذلك المكان لطلب الترخيص بالزيارة وبعد ذلك التحاور مع تلك الجهات الرسمية وبحث سبل التعاون لتسهيل مهمته، وإلا كيف يفسر السادة البرلمانيون المحترمون، عدم ترخيص السلطات الجزائرية للفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري بزيارة البلد منذ 15 سنة، كان اخر تجديد للطلب منذ أريعة أشهر؟

ما الذي تخشاه السلطات الجزائرية من السماح لمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بإحصاء الصحراويين المتواجدين بمخيمات تندوف ؟ ولماذا تبقيهم في المخيمات في أوضاع عديمي الجنسية المعقدة، دون قدرة على التنقل أو الشغل أو حرية الراي والتعبير، وأين انصرف حرص هؤلاء البرلمانيين عن نهب وتهريب المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية الموجهة لمخيمات تندوف على قلتها وبيعها في أسواق الدول المجاورة، أليس من الاجدر بهم قبل زيارة العيون أن يطالبوا بإعادة قراءة تقرير المكتب الأوروبي لمكافحة الغش وإعادة تنفيذ توصياته ومكافحة إفلات سراق مالهم العام من العدالة؟

  • في حال كان هناك انتهاكات لحقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية، كيف يمكن توجيهها في سياق النزاع المستمر بين المغرب وجبهة البوليساريو؟ وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه المنظمة الإفريقية لمراقبة حقوق الإنسان في هذا المجال؟

نحن في تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، وهي شبكة تضم المنظمة الافريقية لمراقبة حقوق الانسان (أفريكا ووتش) ومنظمة مدافعون عن حقوق الانسان والشبكة الدولية لحقوق الانسان والتنمية، نشتغل على تعزيز وحماية حقوق الانسان بمنطقة شمال أفريقيا، انطلاقا من الرصد والتوثيق والتقرير بحالات الانتهاكات والتجاوزات الخطيرة لحقوق الانسان، والتفاعل بشأنها مع الاليات الوطنية والإقليمية والدولية لحقوق الانسان.

بالنسبة لسياق الأقاليم الجنوبية، لم نكن مضطرين قط لمراسلة أية الية إقليمية او دولية بشأن ملف عرض على مكتب التحالف او أحد مكوناته، حيث أن اول خطوة نقوم بها هي دراسة الملف واتخاذ قرار بشأن دراسته وتحديد الجهات المراد التواصل معها بشأن الحالة او الشكاية، وغالبا تحل تلك المشكلات من خلال التواصل والتفاعل مع الجهة المعنية دون الوصول الى الاليات القضائية المكفول الولج إليها بقوة القانون.

ولذلك، نحن نعزز ونحمي حقوق الإنسان كما تم اعتمادها في التشريعات الوطنية المغربية ووفق الاتفاقيات الدولية التي يعد المغرب طرفا فيها، بغض النظر عن تأثيرات النزاع السياسي، لأن الهدف حماية حقوق الناس وتعزيزها وليس شيئا اخر. ونحتكم الى احكام الدستور والتشريعات الوطنية لحقوق الانسان وكذا اختصاصات المؤسسات الدستورية، والمغرب لا يخشى من الالتزام بتعهداته الدولية ذات الصلة أو من الوفاء بترجمة قوانينه الوطنية على مستوى الممارسة.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *