تتقاضى ثمن خدمة لم تؤديها.. شركات التأمين تفاقم معاناة مغاربة مع “فيزا شنغن”
ما يزال موضوع استنزاف جيوب المغاربة الراغبين في الحصول على تأشيرات “شنغن” يثير النقاش والجدل، لما يشكله رفض التأشيرة من خسائر وعبء مادي على المواطنين المغاربة الذين يتحملون تكاليف هذه الطلبات.
وبعيدا عن موضوع الاختلاف في أحقية مجانية هذه الخدمات من عدمها، يطرح سؤال حول عدم إرجاع شركات التأمين التي تستخلص مبالغ مالية مهمة مقابل تأمين الرحلات، في حالة تم رفض منح التأشيرة، كما يقع في دول أوروبية وعربية وإفريقية أيضا.
وبالعودة إلى المعطيات “المقلقة والمثيرة” التي كشف موقع “فيزا نيوز” حول رفض دول “شنغن” لطلبات التأشيرة المقدمة من طرف المواطنين المغاربة خلال سنة 2023، فقد بلغ عدد الطلبات المرفوضة 136 ألفاً و367 طلباً، وتقدر تكلفة طلبات التأشيرة المرفوضة بحوالي 11 مليون يورو، أي ما يعادل أكثر من 10 مليارات سنتيم.
شركات التأمين أمام فوهة بركان
رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك، وديع مديح، قال إن الدعوة بعدم تأدية مقابل خدمات الحصول على تأشيرات “شنغن” لا يمكن أن تحسم إلا داخل ردهات البرلمانات الأوروبية وفي إطار ديبلوماسي مع الدول المعنية، مردفا أنه من ناحية المبدأ والقانون الدولي، فمن حق أي دولة أن تطلب مبالغ مالية مقابل الحصول على تأشيرة الدخول إلى ترابها.
لكن غير المقبول، وفق ما صرح به مديح لجريدة “العمق”، هو استخلاص مبالغ مالية مقابل خدمات لن يستفيد منها المواطن في حالة رفض هذه الدول إعطائه تأشيرة الدخول.
وديع مديح نبه في معرض حديثه لـ”العمق” إلى أن هناك مشكلة أعمق من كل التبريرات التي يدافع بها البعض عن أحقية عدم إرجاع الأموال المستخلصة، وهو ما تقوم بها شركات تأمين مغربية، حيت تستخلص مبالغ مالية تتراوح بين 200 و1500 درهم، أي بين 700 و900 درهم كمعدل متوسط.
واعتبر المتحدث أن كلفة خدمات التأمين التي تقدمها شركات التأمين المغربية “مرتفعة جدا ولا تناسب المستهلك المغربي”، “وحتى إذا افترضنا مجازا أن ذلك الثمن معقولا”، يقول مديح ويضيف: “فإنه من غير المقبول نهائيا وليس من المنطق الحصول على مقابل دون تأدية الخدمة”، في إشارة منه إلى عدم إرجاع الأموال المستخلصة بعد رفض التأشيرة.
كما نبه المتحدث إلى إمكانية التعامل مع شركات تأمين أجنبية في موضوع طلب التأشيرات، وذلك عن طريق اقتناء عقود التأمين من الإنترنت، مشيرا إلى أن الشركات الأجنبية تقدم خدمات بأقل الأثمان وللمدة التي يطلبه الزبون، عكس التأمين بالمغرب، والذي يفرض مدته بين 6 اشهر وسنة، حتى في حالة كانت مدة السفر أسبوعا واحد أو أقل.
وشدد مديح في تصريحه لجريدة “العمق” على أن المطلوب من شركات التأمين المغربية الكثير من الوضوح والشفافية مع زبائنها، وإبلاغهم بكل الاحتمالات الممكنة وإطلاعهم على كل بنود العقد. كما نبه المستهلك المغربي إلى ضرورة الاطلاع والاستفسار عن كل التفاصيل قبل تأدية المبالغ المطلوبة.
مطلب الشفافية والعدالة
وعرض المتحدث تجارب مقارنة مع مناطق أخرى، وقال إن الشائع فيها هو إرجاع تكاليف تأمين السفر، في دول عربية، الإمارات والسعودية، وفي دول إفريقية، في جنوب إفريقيا ونيجيريا.
وقال إن جامعة المستهلك، تواصلت مع مفوضية الاتحاد الأوروبي في المغرب، بشأن هذا الموضوع، و أخبرتهم أنه يمكن للشركات إرجاع القسط عند تقديم إشعار رفض التأشيرة، وأن هذه الخدمة تتم بشكل سلس داخل الاتحاد الأوروبي.
لذلك، يرى وديع أنه من الضروري أن تتبنى شركات التأمين المغربية إجراءات مماثلة لضمان الإنصاف والعدالة لطالبي التأشيرة. وأيضا، إرجاع أقساط التأمين للمغاربة الذين رفضت طلباتهم، مع اعتماد هذه الشركات سياسة إرجاع واضحة وعادلة.
ممارسات غير مقبولة
الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك، في بلاغ لها، رفضت اعتبار عدم إرجاع أموال التأمين المستخلصة للحصول على تأشيرة “شنغن” “ممارسة مقبولة” كما ذهب في ذلك البعض، منبهة إلى أن ما تقوم به شركات التأمين في حالة رفض التأشيرة “غير عادل”.
وقالت الجامعة، إنه “من غير المقبول أن يجبر المستهلك المغربي على دفع ثمن خدمة لا يمكنه الاستفادة منه”، داعية إلى مراجعة سياسة شركات التأمين لتصبح “أكثر عدالة وتحترم حقوق المستهلك”.
وقالت الجامعة إن شركات التأمين تقوم باستخلاص هذه المبالغ “دون وجه حق”، على الرغم من إدراكها لاحتمال رفض التأشيرة، وأنها ترفض بشكل منهجي إرجاع أقساط التأمين، حتى لو لم تتم الرحلة.
المغرب ثانيا في طلب “شنغن”
جدير بالذكر أن المغرب احتلّ المغرب المرتبة الثانية إفريقياً من حيث عدد طلبات التأشيرة المرفوضة خلال الفترة الماضية، وذلك بعد الجزائر التي احتلت المرتبة الأولى.
ومن المقرر أن يتم زيادة رسوم تأشيرة الإقامة القصيرة بنسبة 12%، ما سيؤدي إلى رفع سعر التأشيرة للبالغين من 80 يورو إلى 90 يورو, بينما سيرتفع السعر بالنسبة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة إلى اثني عشر عامًا من 40 إلى 45 يورو.
ويُشكل هذا الارتفاع عبئاً إضافياً على كاهل الراغبين في السفر، خاصةً مع الأخذ بعين الاعتبار نسبة رفض التأشيرات العالية التي يعاني منها المغاربة.
مطالب برلمانية
في موضوع رفض التأشيرات للمغاربة، راسلت النائبة البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة، حنان أتركين، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، تدعوه لدراسة إمكانية تمكين المغاربة الذين يتم رفض طلبات حصولهم على فيزا شنغن من استرجاع رسوم التأشيرة.
وقالت أتركين، في سؤال كتابي، إن المغاربة يقبلون على تقديم طلبات الحصول على تأشيرة “شنغن” بشكل كبير جدا ومتزايد سنة تلو الأخرى، حيث احتلوا، وفق ما أفاد به تقرير للمفوضية الأوروبي المرتبة الرابعة عالميا والأولى عربيا وإفريقياً من حيث الطلبات المقدمة للحصول على تأشيرة شنغن” خلال 2023.
وأشارت إلى أن تقديم هذه الطلبات أصبح لدى شريحة واسعة من المغاربة مرادفا لاستنزاف طاقتهم المالية والنفسية أيضا بسبب صعوبة الحصول على المواعيد والاستحواذ عليها من طرف السماسرة والتأخر الكبير في الرد على طلباتهم من طرف قنصليات بعض الدول.
وبعد تجاوز كل العراقيل المرتبطة بتقديم طلب الحصول على تأشيرة شنغن، تضيف أتركين أن العديد من المغاربة يجدون أنفسهم أمام رفض طلباتهم، حيث أفاد تقرير للمفوضية الأوروبية المشار إليه أعلاه إلى أن دول منطقة شنغن رفضت 136 ألفا و 367 طلب تأشيرة تقدم بها مغاربة. وقد كلف هذا الرفض جيوب المغاربة ما يقارب 118 مليون درهم غير قابلة للاسترجاع.
المصدر: العمق المغربي