اخبار المغرب

تبون يمسح “الأحذية الروسية”.. هذه حسابات خاطئة للسياسة الخارجية الجزائرية

قال الدكتور خالد الشرقاوي السموني، مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الزيارة الأخيرة للرئيس الجزائري إلى روسيا تأتي في سياق دولي يتسم بتزايد الضغوط الغربية على روسيا بسبب حربها مع أوكرانيا، وسياق إقليمي تعيش فيه الجزائر عزلة خانقة أمام تراجع أدوراها الإقليمية في العديد من الملفات.

وأضاف السموني ضمن مقال بعوان “الحسابات الخاطئة للسياسة الخارجية الجزائرية”، توصلت به هسبريس، أن مستشاري تبون، وعلى رأسهم الجنرالات في الجيش، يعتقدون أن الحضور الإسرائيلي في شمال إفريقيا والتعاون العسكري بين الرباط وتل أبيب يهددان الأمن القومي للجزائر ومصالحها الحيوية، والأمر لا يغدو أن يكون مجرد أوهام.

وأبرز السموني أن المستفيد الوحيد من هذه الزيارة هو روسيا، بحكم حاجتها إلى ميزانية ضخمة لتمويل حربها مع أوكرانيا، وذلك عن طريق بيع الأسلحة لقصر المرادية، وذلك على حساب الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي والهش بالجزائر.

وهذا نص المقال

الزيارة الأخيرة للرئيس الجزائري تبون إلى روسيا تحاط بها أسئلة كثيرة، منها حول فرضية تحوّل الجزائر إلى حليف لروسيا ضد الغرب، بصفة عامة، والمغرب، بصفة خاصة، وتعميق التسليح الروسي للجزائر لحماية أمنها القومي من تهديدات محتملة حسب مزاعمها. كما لا تبدو مجرد تأكيد لعلاقات قوية بين البلدين كما أشار إلى ذلك الرئيس الجزائري في لقائه مع الرئيس الروسي، بل قد تكون بوابة لطموحات مشتركة ستؤثر على خارطة التحالفات الدولية.

الزيارة هاته تأتي في سياق دولي يتسم بتزايد الضغوط الغربية على روسيا بسبب حربها مع أوكرانيا، وسياق إقليمي تعيش فيه الجزائر عزلة خانقة أمام تراجع أدوراها الإقليمية في العديد من الملفات، أكثر ما هي زيارة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين أو مناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

فمستشارو الرئيس الجزائري، وعلى رأسهم الجنرالات في الجيش، نصحوه بالانضمام إلى حلف روسيا ومنظمة البريكس لحماية الجزائر من إسرائيل والمغرب، لأن الجنرالات يعتقدون أن الحضور الإسرائيلي في شمال إفريقيا والتعاون العسكري بين الرباط وتل أبيب يهددان الأمن القومي للجزائر ومصالحها الحيوية. فضلا عن ذلك، يرون أن علاقات الجزائر مع أمريكا، الحليف التاريخي والاستراتيجي لإسرائيل، لن تجدي نفعا، خاصة بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بسيادة المغرب على الصّحراء.

كثير من التصريحات للقادة الجزائريين تؤكد صحة هذا الطرح، نذكر، مثلا، تصريح الوزير الأول الجزائري، عبد العزيز جراد، خلال شهر ديسمبر 2020، بأن “الجزائر مستهدفة من جهات خارجية، والكيان الصهيوني بات على حدود البلاد… في إطار مخطط خارجي لاستهداف الجزائر”. نذكر أيضا تصريح وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، خلال شهر أغسطس 2021، عندنا قال إن “المملكة المغربية جعلت من ترابها الوطني قاعدة خلفية ورأس حربة لتخطيط وتنظيم ودعم سلسلة من الاعتداءات الخطيرة والممنهجة ضد الجزائر”.

هذه أوهام تنتاب صناع القرار بالجزائر من قادة الجيش، وادعاءات لا أساس لها من الواقعية والصحة، تريد من خلالها دولة الجزائر استفزاز المغرب بسبب التقدم الذي أحرزه في ملف وحدته الترابية في إطار مبادرة الحكم الذاتي، بالإضافة إلى محاولة الرئيس الجزائري، من خلال هذه الزيارة، استعادة موقع بلاده في الخريطة الإقليمية والدولية، وتعميق التسلح عن طريق عقد صفقات سلاح مع الطرف الروسي، على حساب الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي بالبلاد.

بالنسبة لروسيا، ستكون المستفيد الوحيد من هذه الزيارة، بحكم حاجتها إلى ميزانية ضخمة لتمويل حربها مع أوكرانيا، وذلك عن طريق بيع الأسلحة للجزائر، كما ستسمح هذه الأخيرة لموسكو باستخدام أراضيها، كإقامة قاعدة عسكرية روسية في جنوب الجزائر من جهة، وهذا أمر لم يتأكد بعد، والتغلغل في منطقة الساحل الإفريقي من جهة أخرى، وهو ما سيجلب بالتأكيد على النظام الجزائري عداء الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وسيعمق من عزلته الإقليمية والدولية.

وحتى بالنسبة لانضمام الجزائر إلى منظمة البريكس، فإن ذلك لن يكون أمرا سهلا، على خلاف ما يراه بعض المحللين الجزائريين، لأن هناك مجموعة من المحددات يجب أن تتوفر قبل قبول عضوية أي دولة في هذا التكتل الاقتصادي، في مقدمتها أن يتجاوز الناتج الإجمالي الداخلي 200 مليار دولار وأن تبلغ نسبة النمو الاقتصادي أكثر من 5 في المائة، وهو ما لا تحققه الجزائر في الوقت الراهن.

فبعض التقارير الاقتصادية الدولية أدرجت الجزائر ضمن الدول الأكثر هشاشة لعدة عوامل، أهمها: الأداء الاقتصادي السيئ وتراجع التنمية، إلى جانب تسجيل عجز في الميزان التجاري، وغياب تنمية اقتصادية محلية عادلة، ووجود فوارق بين فئات المجتمع، وضغط ديمغرافي، مع نقص في الغذاء، وهجرة الأدمغة الجزائرية.

ولذلك، فإن السياسة الخارجية الجزائرية تنقصها الحكمة والتبصر والرؤية الاستراتيجية، لأن الزيارة التي قام بها الرئيس الجزائري إلى روسيا خلال هذا الوقت بالذات يمكن اعتبارها قرارا متهورا، يمكن فهمه كتأييد مكشوف لروسيا في حربها مع أوكرانيا، وتصرفا عدائيا للغرب ولحلف أمريكا، مما ستكون له آثار وخيمة على علاقات الجزائر مع الدول الأوروبية، وبالخصوص الاتحاد الأوروبي.

وحتى إن كان القادة الجزائريون ينون استغلال هذه الزيارة لكسب تأييد روسي لمشروع ” تقرير المصير للشعب الصحراوي في الصحراء”، فإن ذلك لن يكون له أي تأثير على الموقف الروسي الثابت من قضية الصحراء المغربية، والعلاقات المتميزة التي تجمع المغرب وروسيا والتي يحكمها التعاون والاحترام المتبادل، وهو ما ترجمه موقف الحياد الذي اتخذته المملكة بشأن حرب روسيا مع أوكرانيا.

وعليه، لن تستطيع الجزائر حشد تكتل معادٍ للمصالح الاستراتيجية للمغرب الذي أصبح رقما صعبا في معادلة التوازن الإقليمي في منطقة المتوسط وشمال إفريقيا وفاعلا ومؤثرا في السياسات الإقليمية والدولية، بل إن المغرب وإن كانت تربطه علاقات قوية بأمريكا والغرب بصفة عامة، فإن علاقاته مع روسيا والصين ظلت متميزة عبر التاريخ.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *