تباشير صبح إنصاف الأسرة
طغى العنف القانوني على توازن الأسرة لعقود و لقرون مضت. يعود البعل الذكر و المسمى، في كثير من الأحيان مغالطة بالرجل، إلى البيت كما دخل هتلر على كثير من دول أوروبا و هو في حالة غير عادية. يصب جام غضبه على من وصفها، البعض ،بأنها ناقصة عقل و دين ، و نسبوها إلى نبي قيل أنه أوصى صحابته و أمته بأن يأخذوا نصف دينهم عن زوجته عائشة التي وصفها بالحميراء. تشرد أطفال و دمرت نساء و تضرر مجتمع بسبب غياب إنصاف لدور المرأة. بارك كبار القوم سلطة الذكر و نسوا أنهم أبناء لأم و اخوان لسيدة و آباء لبنات.
وضع المغرب قانونا للأحوال الشخصية في السنوات الأولى للاستقلال. حاول منتجو هذا القانوني تنظيم العلاقات الزوجية في ظل منظومة فقهية لم تأخذ بعين الاعتبار أي انفتاح مجتمعي و ثقافي و اقتصادي قبل عقود من حاضرنا في القرن الواحد و العشرين. و قد ساهم في صياغة هذا القانون غير المنصف رجال دولة متفقهون من أمثال علال الفاسي و غيره ممن لهم مشروع مجتمع جديد منعتق من نير الإستعمار. و هكذا أستمر الظلم مستشريا في بناء و هدم الأسرة بسهولة دنيئة و بإرادة لا دور فيها للمرأة الأم و لأبنائها. يقرر الذكر ما يشاء و يبعث بورقة إلى الزوجة معلنا نهاية عهد و عقد و حياة أسرية. تصل تلك ” الورقة” إلى الزوجة دون تفعيل لأي مبدأ يضمن العدالة و الإنصاف. و في نفس اليوم يدخل الذكر، المسمى تجاوزا رجلا، بامرأة أخرى بينما يفرض على الضحية المطلقة إنتظار شهور قبل أن يتم السماح لها، إن استطاعت، بناء أسرة جديدة مع بعل جديد.
و ظل قانون الأحوال الشخصية مهيمنا على إعادة إنتاج كل أنواع الظلم الأسري إلى غاية سنة 2004 . لا يمكن فصل تفاقم الظلم المجتمعي و وضعية هشاشة النساء و مظاهر أخرى تخص تمدرس الأطفال و الولوج إلى المرافق العمومية و إلى العدالة و أشياء مهمة وكثيرة تؤثر في سيكولوجية كل مكوناتها، عن وضعية قانونية غير منصفة لأكثر من نصف المجتمع. تزاحمت الحركات الحقوقية و النسائية لتوصل صوت النساء إلى ملك يؤمن بالقيم الإنسانية و يشجب كل ظلم يعطل إيقاع وصول المغرب إلى مصاف الدول الصاعدة المؤمنة بحقوق الإنسان و بالعدالة الانتقالية و ببناء مجتمع العدالة الإجتماعية و الإنسانية.
و خرج القانون المؤطر لمدونة الأسرة في حلة جديدة حاولت أن تغطي كل أوجه غياب العدالة داخل الأسرة. تم تضمين هذا القانون كثيرا من المبادئ التي تضمن مساواة في التعامل بين دور الرجل و المرأة داخل مؤسسة الأسرة. و رغم أن التطبيق المرغوب للمقتضيات القانونية حصل في القرن الواحد و العشرين، إلا أن الواقع حكم على توازن الأسرة بإلقائها في مستنقع الهشاشة. يقرر ” الذكر ” الطلاق و يجد في مدونة الأسرة كل الوسائل التي تسهل عليه فك الارتباط بأقل ” الخسائر “.
لم تحسم مدونة الأسرة في التكلفة المالية للطلاق و التطليق. لم تضع المدونة أي مقاييس لتنفيذ مقررات القاضي في مجال النفقة و لا في تدقيق وضعية الرجل الذكر. تجد النساء كثيرا من العراقيل للولوج إلى المرفق العمومي المكلف بالعدالة. يقرر القاضي، بعد جلسات التصالح، النطق بالطلاق دون أية ضمانات حقيقية و أية مقاييس لتحديد حجم و مستوى النفقة في ارتباطها مع المستوى المالي و الإجتماعي لمن قرر إنهاء صلاحية عقد الزواج.
ظهر بالملموس أن أحكام القضاء في قضايا الأسرة تبنى على السلطة التقديرية للقاضي. و هكذا تجد المرأة نفسها أمام حائط صلب و كبير إسمه ” الولوج إلى المعلومة”. يصبح ذلك الميليادير، أو ميسور الحال، مجرد إنسان لا يمتلك شيئا و لا قدرة له على تحمل نفقة لتغطية تكلفة استمرار تمدرس الأطفال. و حين تريد الزوجة البحث عن ثروة زوجها السابق تصطدم بالمساطر المعقدة و بضرورة الحصول على أمر قضائي للإتيان بالبينة للتدليل على ثروات الزوج الذكر. و هكذا تصبح بنود القانون سدا أمام تحقيق العدل. و هكذا ظهرت معيقات لصيانة حقوق المرأة في عدة مجالات.
لا يمكن لعاقل أن ينفي تراجع بنية الأسرة كموكن مجتمعي. و قد بين إحصاء السكان و السكنى الذي تم قبل شهور أن معدل الخصوبة في تراجع ، و أن بنية الأسرة تحتاج إلى سياسة عمومية تضمن استمراريتها. تبين بالملموس أن المحاكم لم تعد مؤسسة لضمان تصفية عادلة لحفظ مستقبل أطفال و أم . من لا يربط مؤسسة الأسرة بالاقتصاد و بتنمية المجتمع ، لا يفقه شيئا فيما يتعلق بدور الأسرة في بناء المجتمع . تسلل المتربصون بحقوق المرأة داخل مؤسسة الأسرة إلى النقاش المجتمعي لكي ينفثوا سمومهم لتدمير كل ما ينتج عن الزواج من ذوي حقوق و واجبات في مجالات المتمدرس و التكوين و بناء مستقبل أطفال لا ذنب لهم في نتائج سلوك غير مسؤول من قررالزواج و قرر الطلاق و استعان بكل الوسائل للرمي بضحاياه في مستنقع الهشاشة.
قبل سنتين، كلف ملك البلاد لجنة للعمل على إصلاح مدونة الأسرة. وقد كانت الإرادة الملكية عاملا اساسيا في الاستجابة العادلة و المسؤولة لإطلاق مسلسل إصلاح الإطار القانوني للحفاظ على الأسرة بكافة مكوناتها. يتذكر كل المتابعين ذلك الزخم الفكري الذي خلقه مسلسل إخراج المدونة سنة 2004. كلف صاحب الجلالة الأمين العام السابق لحزب الاستقلال الأستاذ امحمد بوستة لصنع توافق حول الإصلاحات القمينة بتغيير واقع تطبعه مظاهر لا تليق بمغرب تواق إلى مراتب أعلى في التنمية و التقدم المجتمعي المنصف للمرأة و للرجل . و لكن الواقع لا يرتفع. و هكذا تدحرج واقع الأسرة لكي يقع في مستنقع مسارات معقدة لإنصاف الأسرة.
تحول البحث على الحلول القضائية إلى رحلة طويلة و مكلفة. يقرر الزوج الزج باسرته في مسار طويل من الإجراءات، و لا يوجد أي مسار سهل يريح الزوجة من صعوبة مسار التقاضي الطويل و المجهد. و يتم الطلاق و لا ينتهي السبيل إلى الحق في تحديد مستوى نفقة عادل. لا يضمن القضاء أية وسيلة لتحديد النفقة اللازمة و تظل المطلقة مثقلة بالإتيان بكل وسائل إثبات مستوى دخل الزوج. و هكذا نجد عدة حالات يحدد فيها القضاء شروطا غير مقنعة لتحديد مستوى دخل ملياردير أو ميسور و تقرير مبلغ النفقة لا يخضع لأي مقياس موضوعي. الأمر يزداد استفحالا حين تكون الزوجة لا تمتلك القدرة على سلك درجات و تكلفة التقاضي. و هكذا ضاعت حقوق الأسرة و توقف أطفال عن التمدرس و عن السكن في ظروف تضمن لهم كرامة و عيشا كريما.
تكاثرت حالات الظلم الناتج عن تطبيق غبي لمقتضيات مدونة الأسرة خلال عشرين سنة. استمر تزويج القاصرات و تزايدت حالات الطلاق بشكل كبير. و ظل الإطار القانوني لتقنين ما بعد الطلاق بعيدا عن المقاييس الموضوعية لضمان توازن تفكك الرابطة الأسرية. يقرر الزوج، في أغلب الحالات، فك الروابط الأسرية و لا تحد من رغباته أية قوانين و لا أنظمة يطبقها، في الأغلب، القاضي في ظل فراغ يعطيه سلطة تقديرية ذات آثار كبيرة على مستقبل زوجة و أطفالها. عاشت كثير من النساء تجارب إنسانية صعبة. تزوج الرجل غداة النطق بالحكم بالطلاق و خضعت الزوجة لحكم يمنعها من الزواج إن هي أرادت إعادة بناء مستقبلها. فليتزوج الذكر مثنى و ثلاث و رباع و ليهنئ بإعادة الحضانة له بعد زواج مطلقته بواحد فقط. إنه ظلم لا يقبله أي إنسان حيثما وجد.
قبل شهور تحرك المحامي الأكبر عن الأسرة في مغرب اليوم. حركته القيم الإنسانية التي تسكن اعماقه منذ طفولته و شبابه، وصولا الى تقلده أعباء الأمانة الكبرى. إنه الملك محمد السادس الذي يريد أن يسود العدل بناء الأسرة و بناء المجتمع و بناء مغرب الأجيال المقبلة في ظل مبادئ و طموح و تقاليد و مرجعية دينية منفتحة تبني و لا تهدم.
المصدر: العمق المغربي