دعا مهتمون بالتراث والتاريخ المحلي لمنطقة سوس جنوب المملكة المغربية إلى إنقاذ سواقي ساقية أكلو أو “تاركا أوكلو” باللغة الأمازيغية، على مستوى جماعة أكلو بإقليم تيزنيت، من التدهور الذي طالها نتيجة اجتماع عدد من العوامل الذاتية والموضوعية، مؤكدين أن هذه المعلمة المائية تشكل جزءا أصيلا من الهوية الثقافية المحلية والذاكرة الجماعية، وتجسد خبرة الأجداد في الإدارة العُرفية للموارد المائية، كما ساهمت في ترسيخ قيم التعاون والتشارك التي ضمنت الاستقرار المعيشي والمجتمعي في المنطقة عبر قرون.

وربط المهتمون، الذين تحدثوا لجريدة هسبريس الإلكترونية في هذا الشأن، مستقبل هذه الساقية، التي أصبحت شاحبة الملامح في السنوات الأخيرة بعدما تخلت عن ثوبها الأخضر بسبب انخفاض منسوب العين التي كانت تسقي المساحات الفلاحية المحيطة بها، بإعادة التفكير في أدوارها وإدماجها في استراتيجيات ومشاريع جديدة تحمي هذا الإرث الحضاري الذي يواجه خطر الاندثار وتعيد إليه مكانته في المشهد المحلي.

محمد بنيدير، رئيس “مركز أكلو للبحث والتوثيق”، قال إن “ساقية أكلو كانت، على امتداد تاريخ المنطقة، مصدر عيش للعديد من الأسر وعاملا أساسيا من عوامل استقرارها في منطقة أكلو والمناطق المحيطة. وقد تعامل معها السكان المحليون بنوع من التعهد، إذ كانوا يصلحون عينها ومجاري مياهها كلما غارت، وكان هناك ارتباط معيشي ووجداني بها لما لعبته من أدوار اقتصادية واجتماعية في حياتهم”.

وأضاف بنيدير، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه الساقية حاضنة لموروث ثقافي مادي وغير مادي غنيين، سواء من خلال نظام نقل وتوزيع المياه المثير للاهتمام والشاهد على خبرة الأجداد في إدارة الموارد المائية. كما أنها تشكل عنصرا جماليا في المشهد الطبيعي لمنطقة أكلو ورمزا من رموز هويتها الثقافية وذاكرتها الجماعية؛ غير أن ما تعانيه اليوم من إهمال يدفعنا إلى التساؤل حول ما إذا كانت هذه البنية الاجتماعية لم تعد تلبي حاجيات الناس اليوم فتخلّوا عنها، ما أدى إلى اندثارها وتدهور وضعها”.

وأوضح رئيس “مركز أكلو للبحث والتوثيق” أن “هذا الأمر يحتاج إلى دراسة معمقة، وهذا ما ينكب مركزنا عليه في إطار واحد من أهم مشاريعه البحثية”، مبرزا في الوقت ذاته أن “الوضعية التي آلت إليها ‘تاركا أكلو’ بسبب عوامل عديدة، منها الجفاف والتحولات التي شهدتها بنية سلوك الإنسان المعاصر، تحتاج إلى تشخيص يشارك فيه مختصون من مختلف التخصصات وإلى تضافر جهود المتدخلين الحكوميين والمدنيين لإنقاذ هذا التراث الغني”.

وشدد المصرح سالف الذكر على أهمية أن “المقاربة الناجعة لحماية هذه المعلمة التي تختزن نمط حياة الأجيال الماضية يجب ألا تقتصر فقط على صيانتها من الإهمال؛ بل يجب أن تتعداه إلى التفكير في منحها أدوارا جديدة تتجاوز ربما أدوارها التقليدية، واستثمار مقدراتها الطبيعية والبشرية في مشاريع مبتكرة تجمع بين التراث والحداثة، بما يخلق فرصا للتنمية ويحافظ على الهوية الثقافية للمنطقة”.

وفي هذا الصدد، اقترح محمد بنيدير ربط “تاركا أكلو” بمشاريع تحلية مياه البحر التي يتم تشييدها بالمنطقة، بما “يتيح توظيف بنيتها التحتية التراثية في خدمة الأهداف الحديثة، مع الحفاظ على خصائصها الثقافية والتاريخية”.

من جهته، أكد عزيز ياسين، أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة ابن زهر بأكادير، أن “ساقية أكلو أو غيرها من السواقي المنتشرة في مختلف بقاع سوس كانت دائما موضوع نقاشات مستمرة، خاصة من حيث الأساليب التنظيمية، وكانت دائما محكومة بأعراف وطقوس وممارسات تعاونية مثل تيويزي على سبيل المثال. وبالتالي، فإن الأمر لا يتعلق بمجرد منشآت لضمان العيش اليومي من خلال الزراعات الصغيرة؛ بل بفضاء اجتماعي وثقافي تشكلت حوله أعراف دقيقة وقواعد صارمة لإدارة الموارد الجماعية للقبائل الأمازيغية”.

وذكر ياسين، في تصريح لهسبريس، أن “الساقية أفرزت، عبر قرون، منظومة من العلاقات؛ كتقاسم الحصص الزمنية للسقي بين الأسر، والتعاون على صيانة المجاري، وتوارث الحقوق المائية بين الأجيال، أي أنها ساهمت في احتضان وعي جماعي قائم على الحفاظ على المُشترك وصونه للأجيال المقبلة”.

وأضاف الأستاذ الجامعي المتخصص في التاريخ والحضارة أن “السواقي، باعتبارها القلب النابض للقرية السوسية، عانت من التغيرات المناخية وتوالي سنوات الجفاف؛ وهو ما قتل الفلاحة المعيشية وهمّش الفلاحين الصغار الذين كانوا يستغلونها، إذ لم يعد يُعتمد عليها كمصدر للرزق، وحلّت الأسواق محلها، وأصبح يتم الاكتفاء في أحسن الأحوال باستغلالها في إنتاج بعض الأعلاف الحيوانية لا أقل ولا أكثر”.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن “كل هذه العوامل الطبيعية والسوسيواقتصادية التي أثرت على مركزية السواقي والواحات في حياة سكان القرى بسوس تفرض بالضرورة التحرك على أكثر من مستوى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر استغلال رمزية ‘تاركا’ في خلق فضاءات للأنشطة التربوية والثقافية والسياحية؛ وبالتالي إعادة إحياء أدوارها في قوالب جديدة”.

وفي هذا الصدد، شدد عزيز ياسين على أن “هذا الدور هو من مسؤولية الجميع، بما في ذلك الهيئات المنتخبة والإدارات والمجتمع المدني ومؤسسات التربية والتربية على البيئة أيضا”.

المصدر: هسبريس

شاركها.