تأهيل المدابغ التقليدية يغري جمعيات بيئية مغربية أمام منافسة الشركات العصرية
أطلقت مذكرة تفاهم جرى توقيعها، الثلاثاء، مع المجموعة الإيطالية للمدابغ NUTI IVO من أجل إحداث مدبغة عصرية بالمغرب بعض “المخاوف” بخصوص المدابغ التقليدية التي تعد “عنصرا أساسيا ضمن النشاط السياحي” في فاس ومراكش؛ فقد نبهت فعاليات بيئية إلى “عدم ملاحقة العنصر البيئي بشكل يقتل عمقنا الحضاري الذي يحاكي شقا من تاريخنا”.
ولم تنكر الجهات البيئية التي تحدثت إلى هسبريس أن العنصر البيئي أساسي في اتجاه خلق اقتصاد دائري ومستدام؛ لكنها ألحت على أن يكون لهذه المدابغ التقليدية “وجه عصري”، يمكن أن يواصل كلامنا مع السائح الزائر كيفما كانت جنسيته أوروبيا أو أمريكيا أو آسيويا.
وسجلت الفعاليات ذاتها أن التعاقد مع مدابغ عصرية “خطوة رائعة”؛ لكن يتعين أن “نؤهل ما هو موجود في أفقنا، باستثمار ما هو متاح أيضا في أفق الآخر”، في إشارة إلى استلهام التجارب وتبادل الخبرة.
“تأهيل ضروري”
مصطفى بنرامل، رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، قال إن “المدابغ التقليدية هي ماركة مغربية مسجلة على الصعيد العالمي؛ بالنظر إلى الجودة التي تميز بها هذا النشاط الحرفي منذ عصور قديمة”، معتبرا أن استعمال الجلد، سواء كورق للكتابة أو بعض المنتوجات الحرفية كالنعال واللباس وبعض المنتوجات المنزلية، جعل هذا النشاط يعرف كثافة وتنوعا على مستوى انتشار الحضارة المغربية”.
وعاد بنرامل إلى قبعة الفاعل البيئي، ليقول إن “هذا الاشتغال الحرفي كان يُسبب تلوثا بسبب استعمال بعض المعادن الثقيلة وكانت تفرز مباشرة في هذه الأودية والأنهار وكان لها تأثير على الصحة وعلى النظام البيئي”، مسجلا أن الالتزامات المناخية المغربية حتمت الحفاظ على هذا النشاط، عن طريق عصرنته من خلال هذه المذكرة؛ غير أن هذه العصرنة تحتاج أن تبدأ من مدابغ المملكة، حفاظا على استدامتها وجعلها أيضا نشاطا يندرج في قلب العمل المناخي.
ونبه المتحدث سالف الذكر إلى تلوث المياه الذي كان يتم والروائح الكريهة التي تخرج من هذه الفضاءات؛ وبالتالي يتعين أن تجد الدولة حلولا عملية لهذه المشكلات بالتحديد، لاسيما الملونات والملوثات، داعيا إلى اللجوء إلى المزيد من البحث العلمي وتسخير الذكاء الاصطناعي في هذا المجال وجلب تجارب دولية من خلال تشجيع الاستثمارات الدولية في هذا قطاع الدبغ؛ لكن مع “كامل الاحتياط من التفريط في الصناعة التقليدية”، بتعبيره.
اقتصاد دائري
عبد الرحيم الكسيري، فاعل بيئي رئيس جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض، قال إن المرور نحو الاقتصاد الدائري، الذي مازلنا نتريث بفارغ الصبر أن يخرج قانونه إلى حيز الوجود، هو يحتاج فعليا إلى الالتفات أوليا للفضاءات التقليدية التي تشكل فضاءات للإقبال السياحي؛ حتى نضمن منتوجات نهائية محترمة للشروط البيئية.
واعتبر الكسيري، في تصريح لهسبريس، أن التخلي عن المدابغ التقليدية ليس ممكنا؛ بالنظر إلى أهميتها التاريخية والاقتصادية، ولكنها تنتظر أن تنفتح إلى إمكانات العصر، لتكون بقيمة تنافسية متكافئة مع غيرها.
ونبه الفاعل البيئي إلى أن مجمل الأنشطة الاقتصادية التي تتم في البلاد يجب أن تحترم المحافظة على الموارد البيئية خصوصا المائية، لسبب بسيط وهو أن أي تلوث ينبع من هذه المؤسسات التقليدية كان المفروض أن يتحول إلى قيمة مضافة، موضحا أن أي تلوث له تكلفة لا تحسب إلى حد الآن، والتي تكون عمليا أغلى بكثير من الربح الذي تجلبه المدابغ. وزاد: “علينا أن نمر لاحتساب تكلفة التلوث حتى نستطيع التعامل معه في هذه الحرف”.
وشدد المتحدث على أن جلب مستثمرين عصريين في “الدبغ” يعتمد على الطاقات البديلة أمر “إيجابي”؛ غير أن التطوير غير ممكن في ظل شروط بيئة متردية في بعض المدابغ التقليدية، مؤكدا أن الأخيرة “مازالت لها كلمتها بنفس القوة”، غير أن “العنصر الإيكولوجي يطرح عليها تحديات يجب أن تساهم الدولة في تجاوزها وحل مختلف إشكالاتها”، خاتما بالدعوة إلى تخصيص أغلفة مالية لهذه الفضاءات تعتمد تجارب هي موجودة عصريا وتأهيل الموارد البشرية بالمرور إليها مع الحفاظ على أصالتها.
المصدر: هسبريس