في خطوة تهدف إلى توحيد معايير التقييم وضمان جودة المخرجات التعليمية، أعلنت وزارة التربية الوطنية عن إطلاق المحطة الأولى من فروض المراقبة المستمرة الموحدة بمؤسسات “الريادة”.
هذه المحطة التي انطلقت أمس الخميس وتستمر اليوم الجمعة، والتي تندرج في إطار خارطة الطريق 20222026، تسعى إلى قياس مدى تحكم التلاميذ في التعلمات الأساسية عبر امتحانات موحدة على المستوى الوطني، مع تشديد الوزارة على ضرورة توفير كافة الشروط لضمان مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع المتعلمين.
غير أن هذه الخطوة التقويمية الهامة تتزامن مع واقع يطرح تحديات جوهرية حول مدى فاعلية تطبيق هذا المبدأ على أرض الواقع. إذ تكشف معطيات حصلت عليها جريدة “العمق” عن تأخر كبير في توزيع الكراسات اللازمة في عدد من هذه المؤسسات الرائدة، مما يضع آلاف التلاميذ في مواجهة الامتحانات دون أن تتوفر لهم الأدوات الدراسية الأساسية التي يفترض أنهم تدربوا عليها.
هذا التناقض الصارخ بين الخطاب الرسمي الذي يؤكد على المساواة والواقع الذي يكشف عن فوارق لوجستية، يثير تساؤلات عميقة حول جاهزية المنظومة لتنزيل مثل هذه المشاريع الطموحة، ويضع مبدأ تكافؤ الفرص في قلب نقاش حاد حول مدى تحققه الفعلي.
وحول الموضوع، اعتبر ربيع الكرعي، الكاتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الكنفدرالية العامة للشغل، أن تنظيم امتحانات موحدة في ظل عدم توصل التلاميذ بأدوات التعلم الأساسية يضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص.
وأوضح الكرعي في تصريح لجريدة “العمق” أن هذه الخطوة تحول عملية التقييم من آلية تربوية هادفة إلى مجرد شكليات تبحث عن شرعية تفتقد لشروطها البيداغوجية، مؤكدا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تحميل التلميذ مسؤولية تعثرات ناتجة عن اختلالات في التنظيم والتدبير.
وأشار المسؤول النقابي إلى أن معاناة الأسر لم تتوقف عند غياب الكتب المدرسية، بل تعدتها إلى ما وصفه بـ”أزمة أعمق” داخل المدرسة العمومية. وأضاف أن هذه الأزمة كشفت عنها تصريحات وزير القطاع التي بدت، حسب وصفه، “غريبة عن واقع المدرسة المغربية”، وتعكس بوضوح حجم الفجوة بين تخصصه الأصلي ومتطلبات تدبير قطاع دقيق ومعقد كالتعليم.
وأكد الكرعي أن موقف النقابة واضح، حيث “لا معنى لأي تقييم في غياب شروط التعلم”، ولا يمكن القبول بفرض محطات امتحانية على تلاميذ لم يتم تمكينهم من الحد الأدنى من الوسائل التعليمية اللازمة.
وشدد على أن احترام مبدأ تكافؤ الفرص يبدأ أولا وقبل كل شيء بضمان الحق في الكتاب المدرسي، وفي توفير زمن مدرسي منظم، وبيئة تعليمية مستقرة، قبل الحديث عن أي شكل من أشكال التقويم.
من جانبه، انتقد عز الدين امامي، الكاتب الوطني لنقابة الاتحاد الوطني للتعليم، الطريقة التي تدبر بها وزارة التربية الوطنية مشروع “المدرسة الرائدة”؟.
واعتبر أن إصدار مذكرة الامتحانات الموحدة بشكل فجائي ودون تخطيط مسبق يكشف عن غياب رؤية واضحة لدى الوزارة. وأوضح إمامي في تصريح لجريدة “العمق” أن أي تصور جاد يقتضي وضع برنامج زمني مفصل وتوفير الكراسات قبل انطلاق الموسم الدراسي، وإرسال الدروس للأساتذة بوقت كافٍ.
وأضاف المسؤول النقابي أن غياب هذه الشروط وسعي الوزارة لفرض الأمر الواقع بعجلة غير مبررة، يدل على أنها تربط نجاح “المدرسة الرائدة” بنسب مئوية موجهة للترويج الإعلامي، وهي أبعد ما تكون عن الواقع الميداني.
وأكد إمامي على ضرورة إصدار ملحق رسمي للمقرر الوزاري للموسم الدراسي 20252026، خاص بتنظيم وتدبير المشروع، لأنه لا يمكن تنزيله دون خطة واضحة وتصور قبلي مشترك.
وفي سياق متصل، استغرب امامي من أنه في الوقت الذي يبذل فيه الأساتذة مجهودات استثنائية، كان “الجزاء” هو إصدار لائحة للمؤسسات الحاصلة على شارة الريادة، مما يعني حرمان آلاف الأساتذة في مؤسسات رائدة أخرى من منحة 10,000 درهم.
وتساءل في ختام تصريحه عن الهدف الحقيقي للوزارة من هذه الإجراءات، قائلا: “هل هو تحسين جودة التعلمات فعلا؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون سباقا نحو الأرقام والصور التي تُسوَّق على أنها إصلاح؟”.
المصدر: العمق المغربي
