في الوقت الذي تحاول فيه مدينة مراكش التعافي من تداعيات زلزال الحوز، تعيش ساكنة المدينة العتيقة حالة من الترقب والقلق المستمر، حيث تحولت جدران المنازل التاريخية التي كانت يوما رمزا للأصالة إلى مصدر تهديد حقيقي للأرواح.
وفي هذا الصدد، باتت أحياء المدينة القديمة تعيش على وقع “قنبلة عمرانية موقوتة” تتمثل في تفاقم ظاهرة الدور الآيلة للسقوط، وسط اتهامات بضعف المراقبة وانتشار العشوائية في عمليات الترميم وإعادة البناء.
وكشف زلزال الحوز الذي ضرب المنطقة مؤخرا عن حجم الهشاشة التي تنخر جسد النسيج العمراني بالمدينة العتيقة. وقد أجمع مهتمون بالشأن المحلي وعدد من المواطنين على أن الهزة الأرضية لم تكن السبب الوحيد في الأضرار، بل كانت كاشفا لاختلالات بنيوية عميقة تراكمت لسنوات.
وتشير الشهادات الميدانية إلى أن جزءا كبيرا من الانهيارات يعود إلى عدم احترام معايير البناء المتعارف عليها، وغياب التقيد بالتصاميم الهندسية، فضلا عن الاعتماد المفرط على مواد بناء تقليدية لم تعد قادرة دون معالجة تقنية حديثة على الصمود أمام التغيرات المناخية وعوامل التعرية، ناهيك عن النشاط الزلزالي.
دعوات لمراجعة قانون التعمير
وفي هذا الصدد، دق الفاعل الجمعوي زكرياء لمنيشري ناقوس الخطر، مؤكدا في تصريح لجريدة “العمق” أن الوضع الحالي يفرض إعادة نظر جذرية في الترسانة القانونية المؤطرة للبناء في المدن العتيقة.
وأوضح لمنيشري أن “قانون التعمير، ورغم تضمنه لضوابط دقيقة، إلا أنه بات يحتاج إلى مراجعة جوهرية، خاصة فيما يتعلق بمسطرة إعادة بناء المنازل المتضررة”.
واستنكر المتحدث ذاته المنطق السائد حاليا، قائلا: “من غير المعقول إعادة بناء منزل انهار بنفس المواد وبنفس الطرق التقليدية التي كانت سببا مباشرا في سقوطه، دون إدخال تحسينات تقنية تضمن سلامته”.
الغش وضعف المراقبة.. ثنائي الكارثة
ولم يقف الفاعل الجمعوي عند الجانب القانوني والتقني، بل أثار إشكالية اقتصادية واجتماعية ساهمت في تأزيم الوضع، وتتمثل في الارتفاع الصاروخي لأسعار مواد البناء ذات الجودة العالية، مقابل ضعف القدرة الشرائية للأسر المتضررة.
هذا التفاوت دفع بالعديد من السكان إلى اللجوء لمواد مغشوشة أو رخيصة الثمن، مما يضعف متانة المباني ويجعلها عرضة للانهيار في أي لحظة.
كما وجه لمنيشري أصابع الاتهام إلى آليات المراقبة، مشيرا إلى وجود خروقات واضحة من قبل بعض اللجان المختصة وأعوان السلطة المنوط بهم الإشراف الميداني.
وأكد تسجيل شكايات عديدة تتحدث عن تلاعبات في منح الرخص، وفوضى عارمة تشوب تنزيل برامج الإصلاح داخل الدروب والأزقة الضيقة، بعيدا عن أعين الرقابة الصارمة.
مآسي تتكرر ومطالب بالتدخل العاجل
واستحضر المتحدث بألم الحادثة المأساوية الأخيرة التي شهدتها المدينة القديمة، والتي أودت بحياة مواطن خمسيني تحت الأنقاض، معتبرا إياها دليلا قاطعا على خطورة الوضع. وعبر عن قلقه العميق من تكرار سيناريو الموت هذا، الذي يهدد يوميا سلامة السكان والمارة والسياح على حد سواء.
وطالب لمنيشري السلطات الولائية والمحلية بإطلاق “خطة استعجالية” لا تقتصر على الحلول الترقيعية، بل تعتمد على تقييم هندسي شامل للمباني المتضررة، وتشديد صارم للمراقبة وزجر المخالفين، بالإضافة إلى توفير مواكبة مالية وتقنية للسكان لضمان بناء مساكن تحترم معايير السلامة وتحافظ في الوقت نفسه على الطابع المعماري للمدينة.
وبين مطرقة الخطر وسندان العوز، يأمل سكان أحياء مراكش العتيقة أن تشهد المرحلة المقبلة تدخلا فعليا وحازما يضع حدا لمسلسل الإهمال، ويحفظ حقهم الدستوري في سكن آمن يليق بكرامتهم، ويصون ذاكرة مدينة تعد تراثا إنسانيا عالميا، قبل أن تتحول المزيد من المنازل إلى قبور لساكنيها.
المصدر: العمق المغربي
