بين تناقض المواقف وعزلتها الدبلوماسية.. الجزائر تتراجع أمام إسبانيا و”تستفز” فرنسا
في خطوة تؤكد “تضارب المواقف” الجزائرية، رفعت الأخيرة القيود التجارية والمصرفية التي فرضتها قبل عامين على إسبانيا بعد اعتراف مدريد حينها بمغربية الصحراء، وتأييدها لمخطط الحكم الذاتي كأساس وحيد لحل النزاع، إلا أنه في نفس الوقت فرضت تدابير مماثلة على فرنسا بسبب موقفها الأخير الداعم لمغربية الصحراء.
هذا، وأمر البنك المركزي الجزائري المؤسسات المصرفية بـ”العمل وفقاً للتشريعات” السارية في التجارة الخارجية مع إسبانيا، مما أدى إلى رفع القيود المفروضة من قبل الجزائر اعتباراً من يوم أمس، وفقا لما أكدته وكالة الأنباء الإسبانية (إفي).
وحسب مذكرة رسمية حصلت عليها الوكالة فإن البنك المركزي الجزائري أصدر تعليمات ملزمة للمؤسسات المصرفية بضرورة الالتزام بالأنظمة والقوانين الناظمة للصرف الأجنبي في جميع المعاملات التجارية الخارجية مع إسبانيا.
وأشار المصدر ذاته إلى أن البيان العام لم يوضح تفاصيل القيود المفروضة سنة 2022، مما دفع بعض المصادر في القطاع المصرفي إلى التعامل بحذر مع هذه المذكرة، وكانت هذه القيود تمنع تمويل تبادل السلع والخدمات مع إسبانيا.
وفي الوقت الذي تُستأنف فيه العلاقات مع مدريد، دخلت الجزائر في أزمة جديدة مع فرنسا منذ أن أعرب رئيسها إيمانويل ماكرون عن دعم بلاده لمغربية الصحراء معتبرا أن مستقبل الصحراء لا يمكن أن يكون إلا تحت السيادة المغربية.
وبناءً على ذلك، أصدرت الجزائر قراراً بحظر جميع المعاملات المصرفية المتعلقة بالتجارة مع فرنسا اعتباراً من يوم الثلاثاء، في خطوة مشابهة للإجراءات المتخذة ضد إسبانيا، وفقاً لما أفاد به الدبلوماسي الفرنسي في الجزائر، كزافييه دريينكورت.
في تصريح لجريدة “العمق”، أكد المحلل السياسي محمد سالم عبد الفتاح أن تراجع الجزائر عن الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها ضد إسبانيا يمثل اعترافًا واضحًا بفشل هذا التصعيد غير المجدي، مشيرًا إلى أن الجزائر أخفقت في تحقيق أي مكاسب من هذه الإجراءات التي استهدفت بها أحد حلفاء المغرب.
وأضاف أن إسبانيا لم تتراجع عن موقفها المؤيد لمغربية الصحراء، بل ظلت ثابتة على دعمها لحل سياسي في إطار السيادة المغربية، مما يعكس عمق العلاقات الاستراتيجية التي تربط بين الرباط ومدريد.
وأوضح عبد الفتاح أن الموقف الإسباني ليس معزولًا عن مواقف أخرى في الاتحاد الأوروبي، حيث يشهد هذا الملف تزايدًا في الدعم الدولي لمغربية الصحراء، لا سيما بعد الموقف الفرنسي الأخير الذي وصفه بأنه “منعطف تاريخي” في مسار هذا النزاع المفتعل، مشددًا على أن دعم فرنسا لقضية الصحراء المغربية يأتي في سياق التوجه الأوروبي الذي يدعم استقرار المنطقة ويعترف بالواقع السيادي للمغرب في أقاليمه الجنوبية.
وسجل المحلل السياسي أن الجزائر بمواصلة سياساتها العدائية ضد المغرب وحلفائه، لا تساهم سوى في تعميق عزلتها الدبلوماسية على الساحة الدولية، مبرزًا أن الجزائر ليست طرفًا محايدًا، بل متورطة بشكل مباشر في هذا النزاع المفتعل، ليس فقط ضد المغرب، بل ضد شركائه الدوليين كذلك، بما في ذلك الهيئة الأممية.
وأشار عبد الفتاح إلى أن هذه السياسات الجزائرية تندرج في إطار محاولات مستمرة لتحويل الأنظار عن الأزمات الداخلية التي تعيشها الجزائر، مؤكدًا أن التصعيد الخارجي يأتي ضمن سياسة الإلهاء التي تعتمدها السلطات الجزائرية لتجنب مواجهة النقاشات المرتبطة بالإصلاحات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والتي شكلت محور مطالب الحركات الاحتجاجية في الجزائر.
ويرى عبد الفتاح أن الجزائر، برغم خسائرها المتكررة في المعارك الدبلوماسية، لم تتراجع عن استراتيجيتها، بل تستخدم التصعيد ضد المغرب لأهداف ضيقة ترتبط بالأوضاع الداخلية الهشة، مشددا على أن محاولات الجزائر للضغط على الدول الداعمة لموقف المغرب باءت بالفشل، موضحًا أن موقف هذه الدول ينبع من إدراكها للدور المحوري الذي يلعبه المغرب في تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة، بالنظر لموقعه الاستراتيجي ومساهماته الإيجابية في القضايا الإقليمية والدولية.
وختم عبد الفتاح تصريحه بالتأكيد على أن المواقف الدولية المؤيدة لمغربية الصحراء ليست إلا انعكاسًا لحقائق ووقائع ميدانية، حيث يبسط المغرب سيادته على أقاليمه الجنوبية ويمارس سلطاته بشكل كامل، مما يجعل دعم المجتمع الدولي لهذا الواقع أمرًا متوقعًا ومنسجمًا مع السياسة الواقعية التي تنتهجها الدول الكبرى.
المصدر: العمق المغربي