بين الهند وباكستان.. كيف يوازن المغرب بين نقيضين؟

العداء بين الهند وباكستان مستحكم وثابت منذ عام 1947، وهي السنة التي انفصل فيها المسلمون عن الهندوس وأسسوا دولتهم الخاصة، باكستان. ثم، في عام 1971، اندلعت حرب بين باكستان الغربية وباكستان الشرقية، فتدخلت الهند وساعدت باكستان الشرقية على الانفصال، وهو ما يعرف حاليًا ببنغلاديش.
وقبل ذلك، وتحديدا في فترة الاستعمار البريطاني، كانت كل ولاية أو جهة تحكم من قبل أمير، لكن المثير للدهشة أن حاكم كشمير، ذات الأغلبية المسلمة، كان هندوسيا يدعى هاري سينغ. وحدثت مفارقة؛ فلو انضم الحاكم إلى الهند، فإن أغلبية سكان كشمير مسلمون، وإذا انضم إلى باكستان، فذلك غير ممكن لأنه هندوسي وسيفقد منصبه، مما جعله يؤجل اتخاذ القرار.
بعد أشهر طويلة، تعرضت كشمير لهجوم من قبائل مسلمة، فطلب المهراجا المساعدة من الهند مقابل الانضمام إليها، ووافق على ذلك عام 1947. أدى التدخل الهندي إلى نشوب حرب بين باكستان والهند، فتدخلت الأمم المتحدة وأوقفت الحرب عام 1949، وتم تقسيم كشمير بين الهند وباكستان على أساس إجراء استفتاء، غير أن الهند رفضت ذلك.
وإلى اليوم، تبقى كشمير مقسمة بين ثلاث دول، وتفوق مساحتها مساحة بريطانيا العظمى، ويبلغ عدد سكانها حوالي 22 مليون نسمة، منهم 15 مليونا يعيشون في الجزء الذي تسيطر عليه الهند (45٪)، و7 ملايين في الجزء الذي تسيطر عليه باكستان (38٪)، بينما تسيطر الصين على 17٪، وهي منطقة جبلية لا يسكنها سوى 12 ألف نسمة.
تحاول الدول الثلاث السيطرة على كشمير نظرا لأهميتها الجغرافية، والمشكلة أن هذه الدول كلها نووية وقوية عسكريا، وأي صدام بين الهند وباكستان سيكون خطيرا ودمويا، وقد يؤثر على الاستقرار في جنوب آسيا، وربما العالم أجمع.
وتعتبر باكستان كشمير مسألة حياة أو موت، لأن الأنهار الستة لحوض السند، الذي تعتمد عليه الزراعة بنسبة 90٪، تنبع أو تمر عبر كشمير الهندية. ولا يوجد حد أدنى من التوافق أو رغبة في التفاوض بين الدول الثلاث؛ فالهند تعتبر كشمير كاملة جزءا من أراضيها، وباكستان تطالب بتقرير المصير لكشمير كلها عبر استفتاء، نظرا لأغلبية السكان المسلمين، بينما تعتبر الصين الجزء الذي تسيطر عليه والذي اقتطعته بالقوة عام 1962 من الهند غير قابل للتفاوض أو التنازل.
وقد أدت تعقيدات المنطقة إلى نشوب عدة حروب وصراعات: أعوام 1965، و1971، و1999، بالإضافة إلى حرب الهند والصين عام 1962. وأدى ذلك إلى سباق تسلح، فأصبحت كل من الهند وباكستان تمتلكان قوة نووية متقاربة منذ التسعينيات، إذ تمتلك كل منهما حوالي 175 رأسًا نوويًا.
استمرت الهند لفترة طويلة زبونة رئيسية للسلاح الروسي بنسبة 76٪، لكنها منذ 2010 غيرت وجهتها نحو الغرب، فخفضت وارداتها من روسيا إلى 36٪، وتوزع الباقي بين فرنسا، وإسرائيل، والولايات المتحدة. أما باكستان، فكانت تعتمد على الولايات المتحدة وفرنسا، لكنها تحولت منذ 2010 إلى الصين، التي أصبحت المورد الأساسي للسلاح بنسبة 80٪، تليها تركيا وإيطاليا في مجال الطائرات المسيرة، بالإضافة إلى دول أخرى مثل هولندا وبلجيكا لكن بحصص بسيطة.
كما تحولت باكستان إلى الحليف الأول للصين في جنوب آسيا، وبلغت الاستثمارات الصينية فيها أكثر من 60 مليار دولار. وتعارض الصين بشكل قاطع أي احتلال هندي لأراضٍ باكستانية، رغم تصريحاتها العلنية التي تدعو لضبط النفس.
وبينما لم تدخل الهند وباكستان في مواجهة برية تقليدية، فإن هناك قصفا متبادلا، إلى جانب تحركات دبلوماسية دولية، سرية وعلنية، للتهدئة.
السؤال المطروح الآن: كيف ستتعامل الدبلوماسية المغربية مع هذا النزاع؟
تعد العلاقات المغربيةالباكستانية تقليدية، بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي، حيث دعمت باكستان المغرب دبلوماسيا بعد استقلالها، وظلت العلاقات قوية منذ ذلك الحين. وتعترف باكستان بمغربية الصحراء، وقد أجرت مناورات عسكرية مشتركة مع البحرية الملكية المغربية عام 2021. كما زار رئيس مجلس الشيوخ الباكستاني المغرب، وتم تبادل تجاري بلغت صادرات المغرب لباكستان أكثر من 340 مليون دولار، مقابل واردات بقيمة 39 مليون دولار فقط.
أما العلاقات المغربيةالهندية، فقد عرفت توترا في الثمانينيات، حيث اعترفت الهند بجبهة البوليساريو عام 1985، بسبب الحرب الباردة وتوجه الهند اليساري آنذاك. لكن في عام 2000، نجحت الدبلوماسية المغربية في إقناع الهند بسحب اعترافها، وتم طرد البوليساريو، ومنذ ذلك الحين تطورت العلاقات بشكل كبير.
فقد تجاوزت المبادلات التجارية بين البلدين ملياري دولار، وهناك اتفاقيات لتزويد الهند بالأسمدة والمواد الزراعية، في ظل التحديات الغذائية التي تواجهها مع اقتراب عدد سكانها من مليار ونصف نسمة. كما استثمرت شركات هندية في المغرب، مثل شركة Samta التي ضخت 70 مليون دولار في المنطقة الصناعية بالقنيطرة لإنتاج صفائح الألمنيوم. وعلى المستوى العسكري، اشترى المغرب أسلحة من الهند، خاصة المدافع و90 عربة عسكرية، وقررت شركة Tata Advanced، وهي كبرى الشركات الهندية للصناعات العسكرية، بناء مصنع قرب الدار البيضاء لإنتاج الآليات العسكرية.
بالتالي، حافظ المغرب على علاقات متوازنة ومتطورة مع الدولتين المتحاربتين في جنوب آسيا، ومن المرجح أن ينهج نفس السياسة التي اتبعها في الحرب الروسيةالأوكرانية، وهي الحياد، وتفادي الاصطفاف، وعدم إغضاب أي طرف. فالدبلوماسية المغربية تنطلق وتبنى على أساس موقف الدول من قضية الصحراء المغربية.
لذلك، ستبقى العلاقات بين المغرب والدولتين مستقرة وقوية، سواء في أوقات الحرب أو السلم.
المصدر: العمق المغربي