“بوناني المغاربة” .. الرغبة في الاحتفالات تتجاوز الإيديولوجيات وتُقَيم المنجزات
لم تعد الاحتفالات برأس السنة الميلادية أو “البوناني” في المغرب ذات طابع نخبوي أو مقتصرة فقط على شريحة اجتماعية معينة، بل أضحت جميع مكونات الهرم الاجتماعي بالمملكة تحتفل بها في حدود إمكانياتها. وتشكل هذه المناسبة بالنسبة للكثيرين فرصة لاستحضار تجارب العام المُنقضي وتقييم الذات لاستقبال العام الجديد بنفس جديد، بعيدا عن الرمزية الدينية التي تحملها هذه المناسبة بالنسبة لبعض الشعوب.
ويرى خبراء في علم الاجتماع أن احتفال المغاربة، باختلاف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية، لا ينطوي على أي فهم ديني لهذه المناسبة، بل الأمر مرتبط أساسا بالتوجهات الثقافية التي فرضتها العولمة على المجتمعات الإنسانية من جهة، وبسوسيولوجية المجتمع المغربي العاشق للاحتفال وطقوسه، من جهة أخرى.
زكرياء أكضيض، باحث في السوسيولوجيا، قال إن “المجتمعات الإنسانية أصبحت منفتحة بفعل العولمة، ولم نعد نتحدث عن ثقافات منغلقة على ذاتها بقدر ما أصبحنا نتحدث عما يسمى بالتثاقف”، مسجلا أن “احتفال المجتمع المغربي برأس السنة ذو طابع احتفالي فقط، بعد أن أخذ هذا الاحتفال طابعا كونيا لدى جميع المجتمعات في العالم وليس فقط في المغرب”.
وأوضح الباحث السوسيولوجي ذاته أن “المغاربة يحتفلون برأس السنة في إطار ذاتي يتجلى في تقييم الفرد للعام المنصرم بتجاربه وإخفاقاته، وكذا تقييم المنجزات المحققة خلاله قبل استقبال عام جديد”، مشيرا إلى أن “هذا الاحتفال لم يعد نخبويا في المغرب، أي تحتفل به فقط الطبقات البرجوازية أو الميسورة، بل اتسع حضوره لدى جميع الفئات الاجتماعية، بما فيها الفئات الهشة”.
وأضاف أكضيض، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المعنى الثقافي للاحتفال برأس السنة لدى المغاربة ليس هو المعنى ذاته بالنسبة لباقي الشعوب، خاصة الغربية، ثم لا ننسى أن التقويم السنوي هو تقويم كوني تخضع له جميع المجتمعات”.
تفاعلا مع الموضوع ذاته، قال محسن بنزاكور، الدكتور المتخصص في علم النفس الاجتماعي، إن “المغاربة، أنثروبولوجيا، يعشقون منذ الأزل الاحتفاليات بدليل أنهم لا يفوتون مناسبة دون أن يحتفلوا بها، إذ كانت الأعراس، على سبيل المثال، تمتد أسابيع على غرار الاحتفال بالمناسبات الوطنية أو الدينية”، مشيرا إلى أن “الرغبة في الاحتفال جعلت المغاربة لا يولون اهتماما كبيرا بالرمزية الدينية التي يحملها “البوناني” بالنسبة للشعوب المسيحية”.
وأضاف بنزاكور، في تشريحه لظاهرة الاحتفال برأس السنة في المجتمع المغربي، أن “احتفال المغاربة بهذه المناسبة لا يعدو كونه مجرد احتفال بمجيئ العام الجديد، ولا ينطوي على أي حمولات أخرى، كما لا يهتمون بمنطق التحريم، الذي يحاول البعض إلباسه لهذه المناسبة، لأن القضية هي بالدرجة الأولى قضية نوايا، ولا أظن أن هناك مغربيا يحتفل بهذه المناسبة كمناسبة دينية مسيحية”، مبرزا أن “هذه الاحتفالية تكرست لدى المغاربة بحكم التواتر والعادة”.
وأوضح الدكتور المتخصص في علم النفس الاجتماعي، في تصريح لهسبريس، أن “المنطق الذي يحكم به البعض على احتفال المغاربة بهذه المناسبة راجع بالأساس إلى لفظة “الميلادية” اللصيقة بالسنة، التي يجب في الحقيقة إبدالها بلفظة “السنة الشمسية” لإزالة هذا اللبس والحرج المرتبط بميلاد المسيح، الذي لا توجد أي علاقة بينه وبين نهاية العام”.
ولفت إلى أن “الشعب المغربي يحتفل كذلك بمجموعة من المناسبات بعيدا عن هذه الحساسيات على غرار الاحتفال بعاشوراء، التي يربطها البعض بالفكر الشيعي، في حين أن طقوس المغاربة وعاداتهم في الاحتفال بها لا نجد فيها أي حضور لتمظهرات هذا الفكر”، مشيرا إلى أن “احتفاليات الشعب المغربي لا يمكن أبدا أن نقحم فيها هذه الاختلالات الإيديولوجية أو التصورات الأخرى الغائبة عن المخيلة الشعبية المغربية، فيما تحضر فقط في مخيلة البعض”.
المصدر: هسبريس