بوصوف يُقيم العلاقات المغربية الإماراتية.. شراكات مبتكرة ومتجددة وراسخة
قال الدكتور عبدالله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج، إن حرارة الاستقبال الذي خصه رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد للملك محمد السادس، وقوة حضور الوفدين المغربي والإماراتي وما رافق ذلك من توقيع مذكرات تفاهم تخص قطاعات استراتيجية مهمة تعبران عن واقع العلاقات بين البلدين الشقيقين.
وأكد بوصوف، في مقال توصلت به هسبريس معنون بـ”المغرب والإمارات على سكة شراكات جديدة”، أن اختيار المغرب دولة الإمارات كأحد الشركاء السياسيين والاقتصاديين للمرحلة الجديدة لم يكن حادثا فجائيا، بل هو امتداد لعلاقات تاريخية ومواقف سياسية، ويتوافق مع إحداثيات أعلن عنها الملك محمد السادس في أكثر من خطاب.
وهذا نص المقال
عمليات توثيق اللقاءات والمنتديات والندوات من خلال التقاط صور أو تخصيص حيز زمني لتصريحات ومؤتمرات صحفية ليست بـ”الترف السياسي”، بل هي عنصر هام ضمن عمليات التواصل السياسي مع الرأي العام، وخلفية كبيرة تساعد على قراءات مختلفة باختلاف زوايا قارئها.
لذلك ونحن نقــرأ مختلف صُــور اللقاء الأخوي ليوم 4 دجنبر 2023 بين الملك محمد السادس وأخيه الشيخ محمد بن زايد آل النهيان رئيس دولة الامارات العربية المتحدة بالقصر الرئاسي “قصر الوطن” حيث لا تغيب لمسات الصانع التقليدي المغربي وبصماته في الجدران والأقواس والزخرفة والبلاط والنقش.. نقف عند تفاصيل دقيقة تخص استقبال الشيخ محمد بن زيد رئيس الدولة والشعب الإماراتيين لضيف غير عادي يحمل معه شريط أحداث تاريخية مشرقة تجمع الدولتين ومواقف سياسية ثابتة لا تتأثـر بسحابات صيف عابرة لأنها بحق علاقة راسخة.
ولأن الصور تحتاج عادة إلى تعليق وإلى عنوان، فقــد جاء عنوان اللقاء “شراكة مبتكرة ومتجددة وراسخة” عميقا يختزل دفء الأحضان وصدق المودة وصفاء النوايا في توقيع انتقال جديد إلى مستوى أرحب بتلك العلاقات الأخوية من خلال آليات مبتكرة ومشاريع متجددة تخدم مصالح الشعبيْن وتــزيد العلاقات ترسيخا وصلابة، لا تصدأ مع الزمن ومضادة لكل العناصر الدخيلة.
على أنه لا يمكننا إغفال قراءة صورة تجمع بين فريقيْ عمل الدولتين يتقدمهما قائــدا الشعبيْـن. فبعيدا عن جمالية الصورة تخطفنا دلالات الـوفد المغربي من حيث عدد أفراده وتنــوع تمثيله بين مؤسسات الحكومة وقطاعات صناعية وإعلامية واستراتيجية مهمة. وهي رسالة أخرى حول آفاق الشراكات الاستراتيجية والجيل الجديد من الشراكات المغربية/ الإماراتية.
لذلك فحرارة الاستقبال وقــوة حضور الــوفدين المغربي والإماراتي وما رافق ذلك من توقيع مذكرات تفاهم تخص قطاعات استراتيجية مهمة تؤمن الأمن المائي والطاقي والغذائي والبنية التحتية وتوفر فرص عمل عديدة.. هي تعبير حقيقي عن واقع العلاقات بين البلدين. إذ كان لا بد لهما من نقلــة جديدة تتماهى مع مخاضات العلاقات الدولية والسباق نحو خلق تحالفات سياسية واقتصادية. واختيار المغرب للإمارات للعبور معــاً في ظل ساحات مشتعلة، سواء بأوكرانيا أو بقطاع غزة/ فلسطين، وفي ظل صراعات دولية، سواء بين دول “الناتو” وروسيا أو بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية وأزمات المحيط الهادي وانقلابات إفريقيا وتهديد فنزويلا/ مادورو بضم منطقة Esquibo التابعة لـ Guyane الغنية بالبترول والغاز، مما يجعل أمريكا اللاتينية على شفا حرب، وفي ظل تغيرات مناخية قوية وتداعيات “كورونا” ومخلفات الربيع العربي بكل من ليبيا وتونس وسوريا واليمن ومصر ودول المتوسط من هجرات وتهجير جماعي نحو أوروبا.. في ظل كل هذا لم يكن اختيار المغرب لدولة الإمارات كأحد الشركاء السياسيين والاقتصاديين للمرحلة الجديدة بحادث فجائي، بل هو امتداد لعلاقات تاريخية ولمواقف سياسية، ويتوافق مع إحـداثـيات أعلن عنها ملك المغرب في أكثر من خطاب. ويكفي التذكير بأن الامارات شاركت في المسيرة الخضراء سنة 1975، وكانت أول دولة عربية تفتح قنصلية بالعيون سنة 2020. كما حضرت ضمن أربع دول في عمليات الإغاثة والإنقاذ إثر زلزال الـحوز سنة 2023.
هذا دون الحديث عن حجم الاستثمارات الإماراتية في الاقتصاد والسوق المالي المغربي، فـكان ضروريًا ضخ دماء جديدة في تلك العلاقات الراسخة تاريخيا بشراكات جديدة ومبتكرة تتماهى مع الإحـداثـيات المغربية الجديدة، سواء على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية الداخلية أو على المستوى المتوسطي والفضاء الأوروبي أو على المستوى الأطلسي والفضاء الأمريكي.
وقد لا يحتاج الأمر إلى كثير عناء لربــط ما جاء في خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2023 بمضمون مذكرات التفاهم في لقاء الإمارات ليوم 4 دجنبـر، سواء المتعلقة بالتجهيز واللوجستيك والموانئ (الناظور والداخلة) والأسطول البحري التجاري التنافسي، أو الواجهة الأطلسية، وتجمع 23 دولة، أو مشاريع تحلية الماء وتدبير الندرة، أو أنبوب الغاز المغربي/ النيجيري، ومشاريع التنمية المستدامة وخلق فرص العمل، بما فيها المناطق الصحراوية المغربية.
كما أن الاختيار ذاته لم يكن مجاملة لبلد شقيق، بل إن الإمارات تتوفر على أجندة اقتصادية قــوية على مستوى الامتداد الخارجي، من ضمنها إفريقيا، إذ تعد رابع مستثمر خارجي بعد كل من الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. كما وصل رقم استثماراتها إلى 60 مليار دولار في مجالات البنية التحتية والقطارات والموانئ والطاقة النظيفة بإفريقيا، وقد وقعت في شهـر شتنبر الماضي بالعاصمة نيروبـي على مبلغ 4,5 مليارات دولار لتمويل مشاريع الطاقة النظيفة بإفريقيا قُبيـل اجتماع دورة “كوب 28” بالإمارات في نوفمبر 2023. كما قامت شركات الإمارات وصناديقها الاستثمارية بتوقيع شراكات لتحديث البنى التحتية وموانئ العديد من الدول الإفريقية مثل دجيبوتي وتنزانيا والموزمبيق ومصر وأنغولا والسينغال. وهي شراكات جعلت بعض المهتمين بالشؤون الإفريقية يعتقـدون بوجود صراع ثنائي صيني/ إمـاراتي حول الموانئ الإفريقية.
لذلك فإشارة الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات في البيان المشترك لزيارة الأخوة والعمل للملك محمد السادس يوم 4 دجنبـر إلى أن المغرب يقدم فرصًا وإمكانات في مجال الاستثمار كبيرة ومؤهلات متنوعة مدعومة بتوفير مناخ محفز للأعمال، فضلا عن الأمن والاستقرار مما يجعله وجهة جذابة للاستثمار، هي رسالـة واضحة لكل الشركاء الاقتصاديين الذين يتقاسمون مع المغرب رصيده السياسي والتاريخي ودفاعه عن الوحدة الوطنية والترابية.
لكل هذا فإننا نفتخر بشراكات المغرب مع دولة الإمارات العربية المتحدة، والدفع بها إلى السرعة القصوى تحت عنوان “شراكة مبتكرة ومتجددة وراسخة”.
المصدر: هسبريس