اخبار المغرب

بوشرب يترجم كتاب “تاريخ السكر المغربي”

كان هذا الكتاب الصادر باللغة الفرنسية عن أرشيف المغرب سنة 2022 ثمرة تعاون بين الباحثة المغربية سعاد اليمني، التي ناقشت بجامعة السوربون أطروحة عن تاريخ السكر المغربي فيما بين القرنين الحادي عشر والسابع عشر، وBernard Rosenberger، الأستاذ السابق بكلية الآداب بالرباط، الذي يعدّ أحد أكثر الباحثين اطلاعا على تاريخ المغرب خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، لا سيما من خلال المصادر الإسبانية والبرتغالية.

تتبع المؤلفان تطور صناعة السكر في المغرب عبر ثلاث مراحل مختلفة توفّقا في تحديد مميزات كل واحدة منها، وفي رصد عوامل توسع الإنتاج خلالها أو انكماشه، مع استحضار دائم لمنظومة الدول المنتجة عبر تلك المراحل الثلاث، وتوظيف ما وصل من أصداء عن أوضاع السوق المرتبطة بمستوى استهلاك ذلك المنتوج، وأوجه استعماله.

وبالطبع كان نصيب الفترة السعدية في هذا الكتاب كبيرا بحكم الطفرة التي عرفتها زراعة قصب السكر وما صاحبها من بناء متواصل لمعاصره. وعن عوامل ازدهار ذلك النشاط، شدّد المؤلفان على أنه بالرغم من توفير السلاطين الوعاء العقاري وتشييد المعاصر وتجهيزها، ورغم اقتباسهم التقنيات الجديدة المعتمدة في الجزر الأطلنطية (ماديرا والكناري مثلا)، يبدو أن أهم ابتكار تبنّوْه تمثل في تنظيم الإنتاج وتسويقه، ثم في المراقبة المستمرة لأوضاع السوق في أوروبا، والرغبة في جلب الزبائن والاحتفاظ بهم بنشاط دِبلوماسي مكثف. وبذلك شغلت تجارة السكر بال المسؤولين المغاربة وملوك الدول الراغبين في الحصول عليه على السواء.

واعتبارا للدور الذي لعبته واردات ذلك المنتوج في تقوية الدولة داخليا، وفي تعزيز مكانتها في الساحة الدولية، حرص المؤلفان على ” كتابة تاريخ السكر المغربي بمنظور مقارِن، مع استحضار أوضاع السوق الدولية” (ص 18)، وهو النهج الذي بقيا وفييْن له عبر مختلف أقسام هذه الدراسة، كما يمكن أن نلمسه من المقارنة التي عقداها بين إنتاج السكر في المغرب ومصر من خلال وصفيْ ابن فضل الله العمري والحسن الوزان، والتساؤلات التي تمخضت عن تلك المقارنة بشأن أسباب ضياع تلك الخبرة المغربية المكتسبة في إنتاج السكر خلال القرون الوسطى، أو من مقارنة التقنيات المستعملة في سحق قصب السكر في كل من الجزر الأطلنطية والمغرب، وهي المقارنة التي أفضت إلى افتراض تفوق المغرب على تلك الجزر رغم حداثة المنشآت التي أقيمت فيها، أو بين دوْر رأس المال الخاص في تجارة السكر في المغرب من جهة، وفي إنجلترا من جهة أخرى، وهو ما دعا إلى دراسة تدخل الدولة الجائر في تسيير المعاصر، وما ترتب عنه من خلل في نظام كرائها، ومن اضطراب في أسواق السكر، الخ.

ومثلت المصادر والوثائق المعتمدة، ومختلف الدراسات التي لها علاقة بالسكر، أحد عناصر تميّز هذا الكتاب. فقد اعتمد الباحثان كمّاً هائلا من التصانيف ذات الصلة بزراعة القصب وباستخراج سكره بمختلف أجناسها من أدب الرحلات وكتب الزراعة والتغذية والصيدلة والحوليات والنوازل، الخ. كما أفادا من وثائق أوروبية تعد بالمئات، لا سيما الإنجليزية منها، التي قدّمت إضافات نوعية حقيقية لدراستهما. وقد أحسنا توظيف ذلك الرصيد الثري والمتنوع بتقييم مدى مساهمة كل جنس منه، وبإخضاعه لتدقيق صارم، حتى وإن انفرد بنقل أخبار مهمة، كما هو الشأن بالنسبة لما سجله الإخباري الإسباني دو طُرّيس عن بداية السياسة السكرية في عهد محمد الشيخ.

نلمس الصرامة نفسها في تعاملهما مع التقارير الإنجليزية بشأن مكانة السكر المغربي في سوق لندن وظروف الحصول عليه، أو في موقفهما من بعض استنتاجات پُول بيرْتْيي، أو حينما تعلق الأمر بترتيب العوامل التي ساهمت في انتصار الشرفاء السعديين على البرتغاليين، والدوْر الذي لعبه السكر في جلب التجار نحو الموانئ المغربية، بخلاف ما ظن المؤرخ البرتغالي ڴودينْيو الذي عزا ذلك الإقبال إلى رغبتهم في الحصول على الذهب.

وبذلك يكون هذا الكتاب قد سدّ فراغا غريبا تركته الدراسات التاريخية المغربية بشأن تجربة فريدة في تاريخ بلادنا اكتسبت بفضلها مكانة متميزة في الساحة الدولية، رغم المنافسة الحادة لمناطق إنتاج جديدة استفادت من ظروف طبيعية وبشرية تتبعتها الدراسة لم تتوفر للسكر المغربي.

ذلك نَزْر يسير من جوانب إيجابية كثيرة تضمنها هذا الكتاب الممتع والمفيد في الآن نفسه، الذي أحاط مؤلّفاه بموضوعه توثيقاً ومنهجاً، وهو ما فرض ترجمته تعميماً للفائدة.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *