من منصة المؤتمر الدولي السنوي “الحوارات الأطلسية” أشاد وزير الخارجية البرتغالي الأسبق، باولو بورتاس، بأداء ومنجز الدبلوماسية المغربية، قائلا: “(…) أود أن أُشيد بالدبلوماسية المغربية لاتّساقها وثباتها وتحركاتها الذكية”.
بورتاس، الذي كان يتحدث خلال جلسة حوارية جمعته، أمس الخميس، بسفير المملكة المغربية لدى الولايات المتحدة الأمريكية، في موضوع “التزام المغرب تجاه الفضاء الأطلسي”، وصف سنة 2025 بـ”العام الذهبي” للدبلوماسية المغربية، مشيراً إلى أن “مقاربات القوة الناعمة التي تتم دون إكراه يمكن أن تسفر عن نتائج ملحوظة”، ومستشهداً بتحولات في مواقف إسبانيا وفرنسا والمملكة المتحدة تجاه القضية الوطنية الأولى للمغاربة.
وتابع المتحدث عينه مفسرا: “(…) لأنه في عالم يسوده الغموض، وعالم المفاجآت، وعالَمٍ يخلط الدبلوماسية بتلفزيون الواقع، حلَّ المغرب المشكلة الصحراوية سياسياً ودبلوماسياً. وكان هذا بفضل جهد دبلوماسي دؤوب، دون إكراه، أو تهديد، وبالقوة الناعمة، لتوسيع الإجماع وتقليص العداوات”.
واسترسل وزير الخارجية البرتغالي الأسبق: “كان هناك تغيير في الموقف الإسباني، وتغيير مماثل في الموقف الفرنسي، وتغيير في موقف المملكة المتحدة، وتغيير في موقف هولندا ولوكسمبورغ وبلجيكاوتحديداً هولندا ولوكسمبورغ. أما البرتغال فلم تُغير موقفها، بل أعادت تأكيده فحسب، لأنه لم يكن لدينا أبداً تيار مؤيد للبوليساريو في سياستنا الداخلية، أليس كذلك؟”.
“إنجاز كبير”
أبرز المسؤول البرتغالي، الذي شغل حقيبة الشؤون الخارجية لبلاده بين 20112013، أنه “غير مُتوقعٍ كيف أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2025، وهو شبه معطل بنسبة 90% بسبب الفيتو المزدوج، وافق على القرار الذي يعتبر خطة الحكم الذاتي المغربية هي الحل الوحيد القابل للتطبيق، ويذكر بعبارات دقيقة أن حكم الصحراء الذاتي سيتم تحت السيادة المغربية”.
“إنه إنجاز كبير، خاصة في هذا العالم. هذا لا يعني أن جميع المشاكل حُلَّت الآن، لكنه كان صبراً… وبالمناسبة لقد أُعجبت بالبراعة في الحصول على امتناع روسيا عن التصويت (…)”، يورد بورتاس.
وزاد المتحدث ذاته: “في تحوّل آخر يكرّس تأكيد وتعزيز السياسة المغربية: المغرب عاد إلى إفريقيا، أو لديه خبرة إفريقية متجددة وأكثر أهمية في السياسة. وكان هذا تغييراً كبيراً وتأثيرا واضحاً للمغرب في علاقاته مع القارة الإفريقية؛ لذا فالمغرب يتمتع بعلاقة جيدة وتقليدية مع الولايات المتحدة… وأتذكر أنني أُعجبت بعدد الأصوات التي أعادت دمج المغرب في الاتحاد الإفريقي. اثنان وأربعون مؤيداً من أصل أربعة وخمسين… وهي عودة إلى الواقع بطريقة ما”.
واستنتج وزير الخارجية البرتغالي الأسبق أن “المغرب يتصرف كقوة إقليمية في إفريقيا”، مردفا: “هذا تغيير جيد، في رأيي، لأن الاستقرار مهم”، ومسجلا ضمن ما يشبه الخلاصة: “إن الجغرافيا والتاريخ هما الثابتان الوحيدان في عالم متغير، وإن الدبلوماسية تتطلب الاتساق، والمثابرة، والإستراتيجيات الذكية”.

“الرؤية واضحة”
تفاعل يوسف العمراني، سفير المغرب لدى الولايات المتحدة الأمريكية، مع تساؤل الصحافية المغربية خديجة إحسان، التي سيّرت أطوار المحادثة بين الدبلوماسيَيْن، حول “ما هي الأولويات التي تعيد فعلياً تشكيل موقف المغرب الأطلسي، وما هي آثارها التحويلية عبر القارة؟”، بتأكيده أن “العالم تغيَّر فعلاً منذ بداية نقاشاتنا في الحوارات الأطلسية عام 2012، إذ كان مختلفاً”.
وأضاف العمراني شارحا: “بالفعل، لأنّ القوة تتغير اليوم… وفي هذا السياق المعقد يصبح الوضوح أولوية. وهذه هي بالضبط رؤية صاحب الجلالة الملك محمد السادس تجاه المبادرة الأطلسية، والمنطقة الأطلسية برمتها”، مواصلا: “لأن المفهوم كان واضحاً: لا يمكننا بناء مخططات إقليمية متماسكة بأدوات قديمة… فإما أن نكون في مستوى توقعات وطموحات شعبنا أو نَفْشَل”.
السفير المغربي بواشنطن استدل بقوة الربط التي توفرها مشاريع “ممر الداخلةالساحل الأطلسي”، واصفاً الأمر بـ”الإستراتيجي، ليس فقط لمواجهة الوضع الذي نعيشه في الساحل، ولكن لإعطاء الدول الساحلية إمكانية الوصول إلى المحيط الأطلسي، لممارسة الأعمال التجارية، ولتصدير معادنها الحيوية، وللاستيراد”، وزاد: “وهذا في اعتقادي عنصر وأداة هامة جداً للدول غير الساحلية”.

المشروع الثاني الآخر المهمّ، وفق العمراني، “هو ميناء الداخلة الأطلسي، والثالث هو خط أنابيب الغاز نيجيريا المغرب وطرق الطاقة المستقبلية بين الشمال والجنوب”، واسترسل بأن “ربط الناس والشبكات هام لكن دون أن ننسى بناء الجسور بين الثقافات، فهذا مهم أيضاً”، وتابع: “من الجيد ربط شبكة الغاز، والزراعة، إنها موجودة (…) ولكن خلال أسبوعين لدينا كرة القدم الإفريقية، هنا بالمغرب. هذه هي القوة الناعمة. من المهم أن نتمكن من اللعب معاً، ولكننا نلعب معاً من أجل المستقبل ونعمل معاً”.
وحول المشروع وأهمية المبادرة شدّد الدبلوماسي المغربي على أن “الاستقرار مهم، فبدونه سنكون في حداد”، منبها إلى “الوضع في الساحل والمغرب العربي وليبيا وأماكن أخرى”.
وختم المتحدث بأن “أهم تحوّل إقليمي هو القرار الأخير للأمم المتحدة بشأن قضية الصحراء، إنه لا يجلب الاستقرار فحسب، بل يتوافق مع الشرعية الدولية، ويساعد على المضي قدماً في تسوية القضية، رافعاً مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الحل الوحيد للمضي قدُماً”.
المصدر: هسبريس
