بنعلي الرباطي.. فنان استلهم روح التراث لصنع هوية اللّوحة المغربية
الثلاثاء 11 يونيو 2024 00:00
لم يكن الفنان التشكيلي محمد بنعلي الرباطي (1861/1939)، الذي استلهم روح التراث المغربي بتفاصيله الصغرى والكبرى وعمل على ترسيخ حضوره في مخيال المشاهدين، إلاّ واحداً من جيل الكبار؛ إذ اقتحم عوالم اللوحة وفتحها على حوار الحضارات الإنسانية ومشاهد الحياة اليوميّة، ووضع للأمكنة والنّاس عناوين لا تحصى من العادات والتقاليد والأزمنة والأحداث والعلائق الاجتماعية.
بنعلي الرباطي خلّف مدوّنة تشكيلية غنيّة بالألوان وبالتّفاصيل والمنمنمات والزّخارف، شكّلت لجهة بنيتها الفنيّة وأبعادها الجمالية نسيجاً ثقافياً ومكوّناً وطنياً يرسم امتدادات المسافة للهويّة المغربيّة، بوصفها بنية تاريخية مترسّخة الجذور، تجمع بين الدلالة والمعنى.
لقد كان هذا الفنّان بدقّة اختياراته يستند إلى وعي مبكّر بأهميّة الجغرافيا الإبداعية، وما تطرحه من ظواهر وطباع، ومن صياغة للتحوّلات التاريخية داخل حركة المجتمع، راسماً صوراً بالغة الثراء، أضحت مرجعيات ومسارات وانعطافات لكل الأجيال.
لم تكن اللوحة عند الفنان الرباطي مجرّد وسيلة للعبور إلى الإبداع، بل فضاءً ملحميّاً غزيراً ومتشابكاً، يرصد تفاعل الألوان والأشكال والمرجعيات الحضارية، مانحاً المتلقّي فسحا بعيدة وبصمات نادرة ومقاطع من الجمال، تستولد أخرى إلى ما لا نهاية.
نعثر في لوحات بنعلي الرباطي وضمن رحلته المتألقة وفي تمثلاته وتجلياته، على فيض عميق لتجربة إنسانية عصامية، لم تنفصل يوماً عن أصولها… عن أصداء المعمار، عن التقاطعات الوجدانية وعن منابع الحضارة المغربية وهو يؤسّس لمتخيّل واقعي، ظلّ متصلا بأثره، مختزلاً لرحلة الحياة.
المصدر: هسبريس