أكد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، محمد نبيل بنعبد الله، أن مشروع الحكم الذاتي في الصحراء المغربية لا يمكن اختزاله في كونه حلاً سياسياً لنزاع إقليمي مفتعل، بل يتعين أن يندرج ضمن نهوض وطني شامل ونموذج وطني جديد ديمقراطي وتنموي، تكون فيه بلورة الحكم الذاتي مرتبطة عضوياً بمقاربة إصلاحية ديمقراطية عميقة، كما وردت في وثيقة النموذج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية وفي مجمل المرجعيات الوطنية المؤطرة لمسار الإصلاح بالمغرب.

وأبرز بنعبد الله، في تقريره السياسي المقدم خلال أشغال اللجنة المركزية لحزبه صباح السبت، أن المغرب يوجد اليوم أمام أفق جديد وغير مسبوق لطي الملف النهائي لقضية الصحراء المغربية، بعد أن فُتحت نافذة تاريخية حقيقية ينبغي استثمارها بكامل الوعي والمسؤولية، في أعقاب اعتماد مجلس الأمن القرار رقم 2797 بتاريخ 31 أكتوبر 2025، معتبراً أن هذا التاريخ يشكل منعطفاً مصيرياً وإنجازاً تاريخياً للشعب المغربي بعد خمسين سنة من الكفاح والتضحيات في سبيل قضيته الوطنية العادلة.

وأوضح الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن القرار الأممي كرّس بوضوح كون مقترح الحكم الذاتي في كنف السيادة المغربية هو الحل الأكثر قابلية للتطبيق، والأساس الوحيد لتسوية هذا النزاع المفتعل، في انتصار صريح للشرعية الدولية وحقائق التاريخ والعدل، ومؤشراً على تحول جذري في التعاطي الأممي مع هذا الملف، بما يضع المغرب أمام مرحلة جديدة تتطلب الانتقال من منطق الدفاع والترافع إلى منطق التفعيل والبناء على أرض الواقع.

وفي هذا السياق، نوّه بنعبد الله بنجاعة الدبلوماسية الوطنية الرسمية، بقيادة ملكية حازمة ومبادِرة، في حصد اعترافات وازنة وواسعة بمغربية الصحراء وبمصداقية وجاهة مقترح الحكم الذاتي، مشيراً إلى أن عدد الدول الداعمة لهذا التوجه تجاوز 120 دولة، من بينها قوى دولية وازنة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والبرتغال وهولندا، معتبراً أن القرار الأخير للبرلمان الأوروبي الذي كرّس الاتفاق الفلاحي مع المغرب بكامل ترابه الوطني يندرج بدوره ضمن هذا المنحى الإيجابي المتنامي للاعتراف الدولي بسيادة المغرب على صحرائه.

وفي الوقت نفسه، شدد الأمين العام للحزب على الأدوار المهمة التي اضطلعت بها الدبلوماسية الموازية، ولا سيما الحزبية منها، في مواكبة هذا المجهود الوطني الجماعي، موجهاً تحية خاصة لمغاربة العالم على مساهماتهم الفاعلة في الدفاع عن القضايا الأساسية للوطن، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية، كما استحضر بإجلال أرواح شهداء الوطن الذين قدموا أرواحهم فداء لهذه القضية.

وأكد بنعبد الله أن المغرب، بفتح صفحة جديدة في مسار بناء الدولة الموحدة الصاعدة، عبر مشروع الحكم الذاتي بجهة الصحراء المغربية، مطالب بمواصلة تحصين الجبهة الداخلية وجعلها صمام الأمان الأكثر موثوقية، والارتكاز على نهج الإصلاح والبناء وتوطيد المسار الديمقراطي من أجل رفع تحديات المرحلة وإنجاح تفعيل هذا الحل التاريخي على أرض الواقع.

وفي هذا الإطار، ذكّر بأن حزب التقدم والاشتراكية، منذ تأسيسه قبل أزيد من 82 سنة، دأب على الربط الجدلي بين أولوية الدفاع عن الوحدة الترابية ومعركة بناء الديمقراطية وإقرار العدالة الاجتماعية، مؤكداً أن الحزب مؤهل اليوم للمساهمة البناءة في بلورة مشروع الحكم الذاتي وإنجاح مسلسل احتضان المواطنات والمواطنين الموجودين حالياً بمخيمات تندوف، في أفق طي نهائي لهذا الملف في إطار السيادة الوطنية والوحدة الترابية.

وأعرب الأمين العام للحزب عن أمله في أن يفتح هذا التطور التاريخي صفحة جديدة في العلاقات بين المغرب والجزائر، بما يخدم قيام فضاء مغاربي موحد ومزدهر وقوي، مشيراً إلى أن حزب التقدم والاشتراكية أسهم، في إطار المجهود الوطني الجماعي، بمذكرة تتعلق بتحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي، باعتبارها تعبيراً عن إجماع وطني راسخ لمختلف مكونات الشعب المغربي.

واعتبر بنعبد الله أن المرحلة الجديدة بطبيعتها وتحدياتها تتيح فرصة مواتية لإطلاق جيل جديد من الإصلاحات العميقة، المتلائمة مع هذا التحول التاريخي، وذلك في إطار بلورة متقدمة وفعلية لمقتضيات دستور 2011، داعياً إلى بناء مغرب ما بعد 31 أكتوبر 2025 على أسس ديمقراطية وتنموية واضحة، تشمل مواصلة تفعيل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية مع ضمان التوزيع العادل لثماره، وضخ نفس ديمقراطي جديد في الحياة السياسية، والارتقاء بمكانة المؤسسات المنتخبة وأدوارها، وتفعيل الجهوية المتقدمة واللامركزية واللاتمركز.

كما شدد على ضرورة اعتماد انفراج سياسي وحقوقي ملموس، من خلال إلغاء المتابعات والاعتقالات المرتبطة بممارسة الحق في التظاهر السلمي المسؤول، واتخاذ خطوات جادة في اتجاه طي الملفات المتصلة بحرية التعبير والاحتجاج السلمي، بالتوازي مع تعزيز القدرات الاقتصادية الوطنية وترسيخ العدالة الاجتماعية والمجالية، والقطع مع واقع “مغرب السرعتين”.

وفي هذا السياق، أكد بنعبد الله أن مشروع الحكم الذاتي ينبغي أن يشكل رافعة لإعادة بناء النموذج الوطني برمته، وأن يرتبط بمقاربة إصلاحية ديمقراطية شاملة، كما نصت عليها وثيقة النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، وأن يكون مدخلاً لإعادة تشكيل فضاءات المغرب الكبير والساحل والأطلسي الإفريقي على أسس التنمية المشتركة والديمقراطية والأمن والازدهار.

وختم الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية بالتأكيد على أن التفعيل الملموس لمشروع الحكم الذاتي يمثل بداية مرحلة جديدة مليئة بالتحديات، وفي مقدمتها ترسيخ السيادة الوطنية وتحصين الوحدة الترابية وضمان عدم القابلية لأي تراجع عن هذا الحل تحت أي مبرر.

وشدد على أن إنجاح هذا الورش التاريخي يمر حتماً عبر المضي قدماً في نهج الإصلاح، وتفعيل مختلف الوثائق المرجعية التي راكمها المغرب، من تقارير التنمية البشرية وهيئة الإنصاف والمصالحة، إلى وثائق الجهوية المتقدمة ودستور 2011 والنموذج التنموي الجديد، مع توسيع حقيقي للجهوية في كل جهات المملكة، والانتقال بها من منطق الوصاية إلى منطق التدبير الحر، بما يضمن معالجة الاختلالات المجالية وتحقيق تنمية متوازنة وشاملة.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.