لم يكن حضور النساء في الدورة الثالثة من “ربيع المسرح بتارودانت” حضورا عدديا فحسب، بل كان حضورا دالّا ومعبّرا عن تحوّل ملحوظ في الوعي بالنوع داخل الحقل المسرحي المغربي، سواء على مستوى التشخيص، أو التأليف، أو التأطير، أو تكريم رموز نسائية ساهمت في ترسيخ حضور المرأة داخل المشهد الثقافي الوطني.

فمن بين العروض التي شهدها المهرجان، مسرحية “جدران الرمل”، التي تناولت، بجرأة أدبية، معاناة نساء محتجزات في مخيمات تندوف، في تجربة درامية مؤثرة مزجت بين سرد الألم وتجسيد الأمل. العرض، وإن تولّى إخراجه الفنان هشام إبراهيمي، إلا أن أدواره النسائية شكّلت مركز الثقل الدرامي، إذ قدّمت الممثلات أداءً يحمل أوجاع واقع ما يزال يختنق في الظلّ.

وما بين مريم الزعيمي التي بصمت العرض المسرحي “فوضى” بتوقيع نسائي حاسم، ولطيفة أحرار التي أطرّت “ماستر كلاس” نوعية حول التكوين المسرحي بالمغرب، كان واضحا أن المرأة المسرحية اليوم لم تعد مجرّد تابع للمشهد، بل صارت فاعلة وشريكة في صياغة خرائطه الجمالية والتكوينية.

ولم يخلُ برنامج التكريمات من هذا الوعي النوعي، حين احتفى المهرجان بالفنانة سعاد صابر، واحدة من قامات المسرح المغربي، تقديرا لمسارها الزاخر بعطاءات أعادت رسم صورة المرأة المغربية فوق الخشبة والشاشة، بعمق وإنسانية.

ان المتتبع لجلّ فعاليات هذه الدورة، ورغم الغياب اللافت للنساء عن لجان التحكيم، فإنّ ما سيلمسه في المنافسات المدرسية والعروض المسرحية الموجهة للأطفال يبعث على الأمل. فقد لاح في الأفق اتجاه ثقافي جديد، يسعى جاهدًا لترسيخ قيم المساواة والإنصاف داخل الفضاءات المسرحية. فضاءاتٌ طالما كانت حكرًا على التصورات الذكورية، سواء في التأليف أو الإخراج أو مواقع القيادة. واليوم، نلمس بوادر التغيير تنبتُ على الخشبات، وتهمس بأن للمستقبل صوتًا آخر، أكثر عدلاً، وأكثر اتساعًا لنبض المرأة وعبيرها.

وما يثلج الصدر أكثر، هو ذلك المشهد البسيط حين تم الإعلان عن اسم الطفلة آمال شعبان لتتسلّم جائزة التشخيص إناث عن دورها في عرض مدرسي، وسط تصفيقات الحضور… مشهد يؤكد أن الاستثمار في الأجيال القادمة من الفتيات المسرحيات ليس ترفاً فكريًا، بل ضرورة ثقافية لإنصاف نصف المجتمع.

وحتى الورشات التكوينية، التي شاركت فيها أسماء نسائية شابة إلى جانب رواد الفن المسرحي، برهنت أن المسرح أداة فعّالة ليس فقط في التعبير الجمالي، بل في التكوين القيادي والثقافي للنساء، وفي تكسير الصور النمطية التي طالما حاصرت المرأة في الأدوار الثانوية.

ربيع المسرح بتارودانت هذا العام لم يكن مهرجاناً للعروض فقط، بل كان احتفالًا بهوية المرأة المسرحية المغربية، ومناسبة لإبراز الأصوات النسائية التي أعادت الاعتبار للبعد الجندري في فعل المسرح، سواء عبر أدوارهن فوق الخشبة، أو خلف الكواليس، أو في صناعة القرار الفني والثقافي.

وفي الاخير فان ما ينبغي على النسخ المقبلة أن تُوسّع من هذه الدينامية النوعية، عبر تخصيص تكريمات أكثر باسم رائدات المسرح، وتنظيم ندوات تسائل صورة المرأة في النصوص والعروض المغربية، لأن الثقافة الحقيقية هي التي تُنصف الجميع، وتمنح الصوت للهوامش المنسية.

وفي انتظار ذلك، يمكن القول: تارودانت أعادت، هذا الربيع، الاعتبار لدفء الأنثى فوق ركح المسرح.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.