بعد المحروقات .. قطاعات البنوك والتأمينات تنتظر تدخل مجلس المنافسة
على الرغم من الملاحظات والانتقادات الكثيرة التي طالت الاتفاق الذي توصل إليه مجلس المنافسة مع شركات المحروقات التي أقرت بالتهم التي وجهت إليها، فإن بعض المتتبعين اعتبروا الخطوة مهمة وستساهم في تحسين السوق بشكل عام على مستوى تبادل المعلومات في التخزين المشترك والشراء المشترك الذي يهم عددا من القطاعات المختلة.
وأكدت مصادر من مجلس المنافسة، في وقت سابق لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن المجلس يستهدف في المستقبل تطبيق ما تم التوصل إليه مع شركات المحروقات على باقي القطاعات، معتبرة أن ما جرى التوصل إليه بهذا القطاع سيسمح بإصلاح السوق وتعزيز المنافسة الحقيقية فيه.
وفتح القرار الباب واسعا أمام جملة من التساؤلات بخصوص القطاعات التي يتطلب أن تطالها اتفاقات مشابهة لما جرى التوافق بشأنه بين مجلس المنافسة والشركات، خصوصا التعهدات والالتزامات التي قطعتها الشركات على نفسها لضمان عدم تكرار ما حدث في السابق من شبهات وتواطؤ فيما بينها.
محمد جدري، المحلل الاقتصادي، أكد، في حديث لهسبريس، أن مجلس المنافسة ينبغي أن “يلعب أدواره كاملة؛ لأننا لسنا ضد أن تربح الشركات، ولكن ينبغي أن تكون منافسة حقيقية بين الفاعلين”، لافتا إلى أن المنافسة بين الفاعلين في قطاع الاتصالات “هي التي جعلت ثمن المكالمات شبه مجانية، وهذا الاتجاه هو الذي ينبغي أن نسير فيه”.
وأشار جدري إلى أن شكاية النقابة الوطنية لمهنيي النقل الطرقي هي التي “وجهت ودفعت موضوع المحروقات إلى أبعد مدى، وعوقبت اليوم شركات المحروقات.. وأظن أنه عندنا قطاعات أخرى ينبغي أن تسير في هذا الاتجاه”.
وسجل الخبير الاقتصادي أن قطاع البنوك يحضر ضمن قائمة القطاعات التي ينبغي أن يتم إقرار منافسة حقيقية فيها، حيث قال: “البنوك تفرض على طالبي القروض نفس نسبة الفائدة تقريبا، وهو القطاع الذي ينبغي أن تكون فيه منافسة حقيقية؛ لأنه من القطاعات شبه الاحتكارية في المغرب”.
وأضاف جدري موضحا أن قطاع التأمين “من بين القطاعات التي تحتاج إلى منافسة حقيقية، وقطاع الأدوية كذلك”، معتبرا أن “لوبيا كبيرا في قطاع الدواء يسيطر ويحتكر، وينبغي أن نسير فيه نحو هذا الاتجاه”، مبرزا أن معالجة الوضع في قطاعات مهمة كهذه من شأنه أن يكون في مصلحة المستهلك المغربي.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن القطاعات المنظمة بدورها تحتاج إلى إقرار منافسة حقيقية، ذاكرا “الموثقين والمحاسبين الذين لا ينبغي أن يكون الاتفاق فيما بين هؤلاء بخصوص قيمة الأتعاب المحددة”، مشددا على أن الإمكانيات البشرية واللوجستية لمجلس المنافسة “لا تساعده على القيام بأدواره كاملة، ولا يمكن أن نحمل المجلس أكثر مما يحتمل”.
وأكد جدري على أهمية أدوار جمعيات المستهلك والإعلام والحكومة في هذه العملية، وأن “تضطلع بأدوارها في تنوير المستهلكين بحقوقهم.. وإذا اقتضى الأمر تقديم الشكايات لدى مجلس المنافسة الذي لا يمكن أن يبت في أية قضية دون التوصل بشكاية بخصوصها”، داعيا إلى تسهيل عملية تقديم الشكايات وتبسيطها، فضلا عن إلزام المؤسسات بالتجاوب مع شكايات المستهلك.
في مقابل هذا الرأي، رأى المحلل الاقتصادي مهدي لحلو في تعميم الاتفاق الذي توصل إليه مجلس المنافسة مع شركات المحروقات على “باقي الشركات التي تنشط في قطاعات أخرى من شأنه أن يمنح لهذه الشركات هامشا للمناورة، حيث يمكنها التلاعب في أسعار المواد التي تنتجها بالطريقة وبالشكل الذي تريده، ومن تم ستلجأ هي الأخرى إلى إبرام اتفاق مع المجلس سالف الذكر لتؤدي على إثرها مجرد غرامات تصالحية”.
واعتبر لحلو، في تصريح لهسبريس، أن الغرامات التي أوقعها المجلس على هذه الشركات هي “غرامات ضد المجتمع المغربي، وليست ضد الشركات المعنية نفسها”، مبرزا أنه بـ”الرجوع إلى مقررات 2019 فقد كانت تنص على أن ثلاث شركات للمحروقات يجب أن تؤدي غرامة بقيمة 9 مليارات درهم؛ فيما نص الاتفاق الأخير على تأدية تسع شركات في هذا القطاع لمليار و840 مليون درهم فقط”، متسائلا: “أين ذهب الفرق بين المبلغين؟”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن من المفروض أن “تتضاعف قيمة الغرامات التي جرى الحديث عنها في سنة 2019، وليس أن تخفض؛ بالنظر إلى استمرار تجاوزات شركات المحروقات، لما بعد هذه السنة الأخيرة، وإلى حدود التوصل للاتفاق الأخير”، معتبرا أن استمرار هذا التسامح مع الشركات وتعميمه عليها من شأنه أن يخلق “فوضى في الاقتصاد الوطني”، حسب تعبيره.
المصدر: هسبريس