يقدّم رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا بايرو ظهر الثلاثاء استقالته إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، غداة الإطاحة بحكومته من قبل البرلمان، في خطوة تغرق فرنسا في أزمة سياسية ومالية جديدة وتُضعف موقع الرئيس.
ويواجه ماكرون الآن تحديا يتمثل في إيجاد رئيس وزراء جديد “خلال الأيام القليلة المقبلة”، بحسب الرئاسة، في محاولة لحل معضلة سياسية استعصت عليه لأكثر من عام، في برلمان منقسم إلى ثلاثة معسكرات، هي تحالف اليسار واليمين الوسط واليمين المتطرف، منذ حلّ الجمعية الوطنية في يونيو 2024.
الصحافة الدولية في حالة صدمة
سيكون خلف فرنسوا بايرو خامس رئيس وزراء منذ بداية الولاية الرئاسية الثانية لإيمانويل ماكرون في العام 2022.
وعبّرت الصحافة الدولية الثلاثاء عن دهشتها واستغرابها من تطورات الوضع السياسي في فرنسا.
واعتبرت صحيفة نيويورك تايمز أن فرنسا باتت اليوم “غارقة في حالة من عدم الاستقرار السياسي المزمن”. أما فاينانشل تايمز فتحدثت عن “أزمة سياسية جديدة قد تمتد إلى الشارع والأسواق”، بينما حذّرت صحيفة زود دويتشه تسايتونغ من أن “فرنسا مهددة بشلل كبير”. من جهتها أكدت صحيفة إل باييس الإسبانية أن “الأزمة السياسية في فرنسا تتطلب حلا سريعا لا يتجاهل الحقيقة المرة التي عبّر عنها بايرو بشأن المالية العامة”.
وتبدو المهمة صعبة أمام الرئيس الفرنسي في ظل تمسّك الأحزاب السياسية بمواقفها.
فحزب التجمع الوطني (اليمين المتطرف) يطالب بإجراء انتخابات تشريعية جديدة، وتعهّد رئيسه جوردان بارديلا الثلاثاء برفض أي رئيس وزراء لا يقطع تماما مع السياسات التي اتُّبعت خلال السنوات الثماني الماضية.
أما اليسار الراديكالي فدعا إلى استقالة الرئيس نفسه؛ في حين يكرر الحزب الاشتراكي أن اليسار الذي تصدّر نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة هو الأحق بقيادة الحكومة.
ويجد ماكرون نفسه محاصرا بين يمين متطرف يتصاعد نفوذه على مر السنوات والانتخابات ويسار راديكالي (ممثلا بحزب فرنسا الأبية) يزداد تشددا ومناهضة له، ما يحتم عليه السعي إلى توسيع كتلته الوسطية والبحث عن شخصية يمينية أو من الوسط يقبل بها الاشتراكيون.
وقال أحد المقربين من الرئيس: “ثمة حاجة إلى الاستقرار. والأكثر استقرارا هو القاعدة المشتركة التي تتحاور مع الاشتراكيين”.
ويتم تداول أسماء من بينها وزير الجيوش سيباستيان لوكورنو ووزير العدل جيرالد دارمانان ووزير الاقتصاد إريك لومبار.
ديون متراكمة
ووفقا لأحد المحيطين بالرئيس إيمانويل ماكرون من المتوقع تعيين رئيس وزراء جديد بحلول نهاية هذا الأسبوع، وذلك قبل مغادرة الرئيس إلى نيويورك، حيث يُفترض أن يعلن يومي 22 و23 سبتمبر اعتراف فرنسا بدولة فلسطين في الأمم المتحدة.
وفي صلب التصويت الكاسح ضد حكومة بايرو مشروع الموازنة غير الشعبي الذي يتضمن توفير 44 مليار يورو في العام 2026، في محاولة لخفض ديون البلاد التي وصلت إلى 114% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي سوق السندات أصبحت فرنسا تقترض الآن بكلفة مماثلة لتلك التي تدفعها إيطاليا على مدى عشر سنوات، حيث بلغت الفائدة حوالي 3,47%.
وتأتي هذه الأزمة السياسية قبل أيام فقط من إعلان وكالة فيتش، الجمعة، تقييمها للديون الفرنسية، وسط مخاوف من احتمال خفض التصنيف في ظل حالة عدم اليقين الراهنة، وهو ما يثير القلق من اضطرابات في الأسواق المالية.
تحركات اجتماعية تلوح في الأفق
وظهر هذا الصيف على مواقع التواصل الاجتماعي حراك جديد تحت شعار “لنشلّ كل شيء”، بدعم من بعض النقابات واليسار الراديكالي، يدعو إلى شلّ البلاد اعتبارا من الأربعاء، وسط أجواء من انعدام الثقة واسع النطاق تجاه ماكرون الذي وصلت شعبيته إلى أدنى مستوياتها منذ توليه الحكم في العام 2017 (حيث أظهر استطلاع حديث أن حوالي 77% من الفرنسيين غير راضين عنه).
وأعلنت وزارة الداخلية أن نحو 80 ألفا من عناصر الشرطة والأمن سينشرون الأربعاء في أنحاء البلاد، حيث ستنظم مئات الفعاليات والاحتجاجات.
أما المديرية العامة للطيران المدني فتوقعت حصول اضطرابات وتأخيرات في “كل المطارات الفرنسية”.
ومع أن هذه التعبئة تذكّر البعض بحراك “السترات الصفراء” الذي هزّ فرنسا بين عامي 2018 و2019 مازال من غير المعروف مدى تأثيرها.
وفي السياق نفسه دعت جميع النقابات العمالية إلى إضراب وتظاهرات في 18 سبتمبر.
المصدر: هسبريس