“بدون عنوان” .. مخدر “LSD ” طريق الشباب المغربي نحو “غياهب المجهول”
هو مخدر ليس ككل المخدرات، الحصول عليه صعب، وتأثيراته أصعب، والغريب أنه يصل إلى شباب في بلادنا من مختلف المشارب.
هسبريس حاولت التأكد من وجوده في مناطق عدة، لم تكن المهمة سهلة، شهور من البحث عمن يتعاطونه، فأخذه يكون في سرية تامة وفي ظروف خاصة.
اتصالات عدة أجريناها وانتقلنا من مدينة إلى أخرى حتى وصلنا إليهم. شباب عايشوا التجربة وأكدوا توفره، أما حين الحديث معهم عن التجربة، فيمكن سماع مصطلحات عديدة وموحدة من قبيل: “عالم غرائبي”، “خيال واسع”، “هلوسة كبرى”، وفي روايات أخرى: “قدرة على الإبداع”، “إدراك أعمق بمختلف الحواس”، أو “عين ثالثة على العالم…”.
ليس مخدرا عاديا، بل هو على قائمة الأقوى والأخطر، حمض مستخرج من نبات لا وجود له بالمغرب، أما المخدر فيصل شباب البلاد بطريقة أو بأخرى، ويستعملونه لعيش رحلة إلى المجهول أو ما يسمونه بلغتهم “التريب”.
محمد الغربي (اسم مستعار)، 29 سنة، إطار في شركة خاصة، واحد ممن التقتهم هسبريس وعايشوا تجربة تعاطي هذا المخدر منذ سن صغيرة، قال: “أول مرة تعاطيته كانت سنة 2015، وهي أول مرة أختبر فيها تأثيراته الغريبة، كان شعورا غريبا حينها”، مشيرا إلى أن من تأثيرات المخدر “اتساع الحواس واشتغالها بشكل أقوى، تليها مرحلة الهلوسة التي تدخلك في عالم غريب وغير واقعي تتخيل معها وجود أشياء كأنها ليست من عالمنا، أو أننا في عالم مواز”.
قطع ورقية صغيرة لا يمكن التعرف عليها بسهولة، هكذا تصل الشباب المغربي، أما ما تحتويه فهو حمض قوي جدا، بكميات ميكروغرامية، الواحدة منها كفيلة بأن ترسل الشخص في رحلته لمدة قد تصل إلى ستة عشر ساعة.
عبد الرزاق شنياط، عميد شرطة ممتاز رئيس مصلحة المخدرات والتسمم الشرعية بالمختبر الوطني للشرطة العلمية والتقنية، عرفنا على هذا المخدر الذي من ضمن أسمائه لدى العامة “التامبر”، والذي تكفي منه كمية 25 ميكروغراما ليدخُل المتعاطي عالم الهلوسة الكبرى.
قال شنياط ضمن تصريح لهسبريس إن المخدر يتم استخراجه من نوع من الفطر لا يوجد في المغرب، لهذا يطلق عليه اسم “ماشروم”، مشيرا إلى أن من اكتشفه أول مرة هو “هوفمان ألبيرت” عن طريق حادثة، إذ تشرب جلده المادة وخلال رحلته إلى بيته عاش ما يسمى بـ”الرحلة السيئة” أو “الباد تريب”.
طقوس خاصة يتبعونها للتعاطي، فالمخدر ليس كغيره، يجب أخذ كل الاحتياطات اللازمة حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه، كالحوادث مثلا، أو الدخول فيما يسمى بلغتهم “الباد تريب”، والمفضل أن يتم تناوله في حفلات سرية خاصة غالبا ما تكون في أماكن مفتوحة يصعب الوصول إليها.
خالد معروف (اسم مستعار)، 27 سنة، موسيقي، قال إن استعماله هذا المخدر بدأ منذ سن مبكرة، مشيرا إلى أن درجة الهلوسة التي يمكن الوصول إليها قد لا يتحملها العقل أحيانا.
وأضاف: “أنا كموسيقي جعلتني أحب الموسيقى أكثر فأكثر، فعند تناولها أحس بأن حاسة السمع لدي تتطور ويمكنني السماع بوضوح كبير”.
توازيا مع من يرغبون في متعة لحظية، آخرون يبحثون عن إبداع في مجالات عملهم، على الصعيد العالمي شاع ما يسمى “الجرعات الدقيقة” أو “الميكرو دوزينغ”، كطريقة لتحفيز الحواس والدماغ على الاشتغال بشكل غير عادي.
تشير تقديرات بحث أمريكي جديد إلى أن استخدام “إل إس دي” ارتفع من أقل من 1 بالمائة عام 2002 إلى 4 بالمائة عام 2019 بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عامًا، في المقابل يحذر خبراء مغاربة مما يسمى “عولمة السلوكات”.
جلال توفيق، عضو في الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات مدير مستشفى الرازي للأمراض العقلية والنفسية، أكد ضمن تصريح لهسبريس أن “الإل إس دي” يدخل في خانة عائلة المخدرات المهلوسة “بسيكيديليك”، التي كانت شائعة في ستينات القرن الماضي، حينما كانت الموجات الاحتجاجية في أمريكا وأوروبا، و”كان يتم استعمالها لتغيير المزاج”.
وقال توفيق: “الآن هناك موجة عودة هذه المخدرات في أوروبا وأمريكا وآسيا، وقليل جدا في إفريقيا”، وتابع: “هناك عودة اهتمام بالال اس دي، وفي العالم هناك ما يسمى عولمة السلوكات، إذ إن أي سلوك يظهر في بلد ما ينتقل بسهولة إلى بلدان أخرى”.
وأكد توفيق أن في المغرب “قلة قليلة من الشباب يستعملونه”، مبرزا أن المستشفيات المغربية لا تتوصل بحالات لأشخاص يتعاطونه.
هسبريس دقت مختلف الأبواب، سواء الأمنية أو الصحية، لمعرفة مدى توافر هذا المخدر. إلى حد الساعة، لم تحجز منه الشرطة سوى شحنتين. أما المصالح الصحية، فلم تحل عليها أي حالات لأشخاص يتعاطونه أو حدثت لهم مضاعفات جراءه.
وقال العميد الإقليمي عبد الرحيم حبيب، رئيس قسم محاربة الجريمة عبر وطنية بالمديرية العامة للأمن الوطني: “من خلال المعطيات التي تتوفر عليها المديرية العامة للأمن الوطني، فإن المحجوزات المتعلقة بمخدر LSD تبقى نادرة جدا إن لم نقل منعدمة، على أساس أنه في سنتي 2019 و2021 تمت معالجة قضيتين فقط تتعلقان بالحيازة والاتجار بهذا المخدر مع حجز كمية قليلة جدا منه”.
وأضاف: “هذا لا يعني أن المخدر لا يشكل خطرا أو تهديدا حقيقيا لبلدنا بحكم أن الشبكات الإجرامية تعمل دائما على تطوير أنماط وأساليب عملها، وتعمل كذلك على البحث عن أسواق جديدة من أجل تهريب وترويج كل المواد السامة، وذلك من أجل تحقيق أكبر قدر من الأرباح”.
وتابع: “ما يعزز هذه الفرضية، هو مخدر الاكستازي الذي كان إلى حدود 2010 شبه منعدم في المغرب، على أساس أن كميات قليلة منه كانت تحجز من قبل مديرية الأمن الوطني، إلا أنه انطلاقا من 2010 تغيرت المعادلة بشكل جذري، وبفضل المجهودات التي قامت بها مصالح المديرية العامة للأمن الوطني، بتنسيق مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، تمكنت من حجز أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون من عقاقير الاكستازي التي كانت موجهة بالخصوص للاستهلاك المحلي”.
مقابل ما يتحدث عنه الأمن، يؤكد المتعاطون دخول شحنات “إل اس دي” بسهولة عبر المطارات لكون كشفها يبقى صعبا، أما أغلب من تواصلت معهم هسبريس فأكدوا أن دخوله يتم عبر ما يسمى بالأنترنيت المظلم (الدارك ويب).
ويؤكد العلماء أن الآثار السلبية تظل واضحة، إذ تضعه الأمم المتحدة في خانة المخدرات الأكثر خطورة على الصحة لآثاره الجانبية الوخيمة، وينصح الأطباء بالابتعاد عنه وعدم استخدامه بأي طريقة كانت.
وقال توفيق إن من بين آثار “إل إس دي” السلبية، التسبب “في حالات الذهانية والهلوسة الكبرى التي تؤدي إلى حوادث أحيانا، كالقفز من النافذة أو السطح وغير ذلك، أو الإصابة بالاكتئاب الشديد”.
المصدر: هسبريس