باحثون جامعيون يطلقون مبادرة علمية جديدة لتجسير الهوة بين الفكر والواقع

احتضنت العاصمة المغربية الرباط، يوم السبت 22 مارس الماضي، الجمع العام التأسيسي لـ”مؤسسة نظر للأبحاث والفكر والعلوم”، في مبادرة علمية وفكرية أطلقتها نخبة من الأساتذة الجامعيين والباحثين المغاربة.
وجاء هذا التأسيس، وفق بلاغ للمؤسسة، ضمن سياق يسعى إلى تعميق البحث العلمي وتجديد القول الفكري في قضايا الوطن والأمة والإنسان المعاصر، من منطلق رؤية حضارية مغربيةإسلامية، ترفض القوالب الجاهزة والمفاهيم المستوردة.
وفي تصريح صحافي خص به جريدة “”، قال الحسن حما، أستاذ التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء ورئيس مؤسسة “نظر”، إن هذه الخطوة التأسيسية جاءت “كاستجابة فكرية وعلمية للمتغيرات التي تشهدها الأمة والعالم، واستحضارًا لمركزية البحث العلمي والاجتهاد الفكري في نهضة المجتمعات واستعادة الأمة لوظيفتها التاريخية وريادتها الحضارية”.
وأوضح أن “المؤسسة تتأسس كهيئة مدنية مستقلة غير ربحية، تسعى إلى بناء تقاليد بحثية متجذرة في رؤية حضارية مغربيةإسلامية، تأخذ بعين الاعتبار أسئلة الواقع المعاش، وتقدم إجابات متلائمة مع مقومات المجتمع”، مبرزًا أن تأسيس المؤسسة ينبع أيضًا من إيمان جماعي بضرورة تجاوز بعض الإشكالات التي خلفتها التحولات الجارية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.
وأضاف حما أن “الفكر العلمي اليوم يعاني من ضمور واضح في العناية بالنظر المعرفي العميق، في مقابل تنامي النزعات السطحية، والنزوع نحو الحلول التقنية العاجلة بدل الانشغال بالأفكار الكبرى والاستراتيجيات البعيدة المدى”. وأكد في السياق نفسه، أن المؤسسة تسعى إلى إرساء خطاب فكري رصين قادر على الاشتباك الواعي مع أسئلة الإنسان المعاصر وتحديات الحداثة وما بعدها.
وقد عرف الجمع العام التأسيسي نقاشًا مسؤولًا بين المؤسسين، عبّر عن وعي جماعي بالتحديات التي يواجهها الحقل الفكري والبحثي المغربي، وتمخض عن المصادقة على القانون الأساسي وانتخاب المكتب التنفيذي للمؤسسة، الذي يضم إلى جانب الدكتور الحسن حما، كلًا من، الدكتور محمد الطويل، الدكتور محمد البزوي، الدكتور نوفل الناصري، الدكتور إسماعيل بوصحابة، الدكتور عصام الرجواني، والدكتور يحيى شوطي.
وحول الرهانات التي تضعها “نظر” ضمن أولوياتها، شدّد رئيس المؤسسة على أن المشروع يرتكز على ثلاثة مسارات كبرى، أولها: تجسير الهوة بين الفكر والواقع، من خلال تفعيل الاجتهادات الفكرية المغربية وإعادة توجيهها للإسهام في معالجة التحديات الفردية والجماعية، والثاني: استئناف القول الفكري حول قضايا الفرد والمجتمع انطلاقًا من خلفية حضارية مغربيةإسلامية منفتحة على الخبرة الإنسانية، والثالث: تعميق التفكير العلمي والنقدي وتوفير حلول مبتكرة للتحديات التي تواجه السياسات العمومية الوطنية.
وفي هذا الإطار، قال الدكتور حما، “نسعى إلى إنتاج فكر علمي نقدي عميق يعكس الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ويسهم في تحقيق تنمية إنسانية شاملة ومستدامة، تكون قادرة على الاستجابة للتحديات العالمية الكبرى، بما فيها التحولات الجيوسياسية، والاضطرابات الاقتصادية، والتحولات البيئية والرقمية المتسارعة”.
وأضاف، “في ظل تفشي النزعة التخصصية المغلقة، تُراهن المؤسسة على بناء معرفة تركيبية تجمع بين مختلف الحقول العلمية، وتعيد الاعتبار لمركزية الفكر كرافعة لتغيير الواقع، لا كترف فكري معزول عن سياقه الاجتماعي والسياسي”.
وشدد المتحدث ذاته، على أن المؤسسة لا ترى نفسها بديلًا عن أي مبادرة فكرية قائمة، بل تعتبر نفسها حلقة ضمن سلسلة من الجهود المتواصلة، قائلاً: “نحن نُقدّر الإسهامات القائمة، وندرك أن هناك مبادرات رائدة تستحق كل الاحترام، لكننا نؤمن كذلك بوجود مساحات فارغة داخل الحقل البحثي المغربي تحتاج إلى مزيد من الجهد المؤسسي والتكامل المعرفي”.
وفي معرض حديثه عن علاقة المؤسسة بالفاعلين في الحقل المعرفي والثقافي، أبرز الدكتور حما أن “مؤسسة نظر” تعتبر تعزيز جسور التعاون مع الجامعات والمراكز البحثية أولوية استراتيجية، مشيرًا إلى أن “المرحلة القادمة ستعرف برمجة اتفاقيات تعاون مع المؤسسات الأكاديمية، وتنظيم ندوات ومنتديات فكرية تجمع المفكرين والباحثين من مختلف التخصصات”.
وأوضح أن المؤسسة تعتزم دعم الباحثين الشباب وطلبة الدراسات العليا، وتشجيع المشاريع العلمية التي تلامس قضايا المجتمع، مؤكدًا أن هذا الدعم “لن يكون فقط دعمًا تقنيًا أو لوجستيًا، بل سيتخذ طابعًا تأهيليًا ومعرفيًا، يدمج بين المنهجية العلمية والانتماء الحضاري”.
وتابع قائلًا، “نؤمن بضرورة الاشتباك النقدي مع الواقع دون الوقوع في التغريب أو القطيعة، فالانفتاح على منجزات الإنسانية لا ينبغي أن يعني استلابًا فكريًا، كما أن الحفاظ على الهوية الحضارية لا يعني التقوقع والانغلاق”.
ومن بين مجالات الاشتغال التي حددها البيان التأسيسي للمؤسسة، يبرز الاهتمام بـ السياسات العمومية والتنمية الجهوية والوطنية، فضلًا عن قضايا الفكر والعلوم والسياسة والاقتصاد والاجتماع، مع تشجيع المثقفين على الانخراط في النقاش العمومي، ودعم المشاريع العلمية التي تهدف إلى النهوض بالمجتمع.
وحول هذه النقطة، أشار الدكتور حما إلى أن المؤسسة “ستعمل على توفير منصات دائمة للتواصل بين الباحثين والمفكرين، من خلال ورش عمل، ودورات تكوينية، ولقاءات دورية، تُسهم في تقوية الصلة بين الفكر والواقع، بين الجامعة والمجتمع، وبين المعرفة والممارسة”.
ويختم الحسن حما تصريحه بالتأكيد على أن “مؤسسة نظر” لا تسعى فقط إلى تأثيث المشهد الفكري المغربي، بل إلى إعادة تأسيس علاقة جديدة بين الفكر والواقع، قوامها الإبداع والاجتهاد والتجديد، واستحضار العمق الحضاري والمعرفي للأمة، في انفتاح واعٍ ومسؤول على العالم وتجارب الإنسانية.
ويأمل المؤسسون، كما جاء في البيان التأسيسي، أن تشكل هذه المؤسسة “رافعة فكرية تُسهم في بلورة تصورات جديدة قادرة على مواكبة التحولات العميقة التي تعرفها الساحة الوطنية والإقليمية والدولية، برؤية تستحضر واجبات الانتماء الحضاري، وتتوخى الانفتاح الواعي على التجارب الإنسانية المشتركة”.
المصدر: العمق المغربي