وسط أروقة إحدى الفضاءات الثقافية بمدينة أكادير، يقف الزائر مشدوهاً أمام معرض “انطباعات مغربية Impressions Maghribia”، ثمرة لقاء استثنائي بين المصور الفرنسي سيرج فيلي (Sirj) والفنان التشكيلي المغربي الإمام دجيمي. لقاء بصري يُجسد حوارًا عميقًا بين حساسيتين مختلفتين، ومسارين فنيين متباينين، لكنهما يلتقيان حول أرض واحدة: المغرب.
المعرض، المنظم من طرف جمعية إزوران نوكادير بشراكة مع الجماعة الترابية لأكادير، لا يقدّم فقط أعمالاً فنية بصرية، بل يطرح رؤية جمالية وفكرية حول المغرب كفضاء للإلهام والتعددية. إنه تجربة حسية ونقدية في آن، تنفتح على أسئلة تتعلق بالذاكرة والهوية، بالماضي والحاضر، بالتراث والتجديد.
الإمام دجيمي: حين تتحول النقوش الصخرية إلى شعر تشكيلي
بريشته المفعمة بروح الصحراء، يستحضر الإمام دجيمي جذور الإنسان الأولى. لوحاته، المستلهمة من إرث النقوش الصخرية المنتشرة في الجنوب المغربي، تُعيد تشكيل الرموز القديمة وتضخ فيها حياة جديدة. يذهب دجيمي بعيدًا في التأمل البصري، حيث تتحول اللوحة إلى فضاء يربط بين الحاضر وأزمنة سحيقة، بين الإبداع المعاصر وذاكرة الإنسان الأولى.
في حديثه للعمق، عبّر أحد زوار المعرض عن شعوره بالانبهار قائلاً: “أمام أعمال دجيمي، لا يمكن للعين أن تبقى محايدة. كل لون وكل رمز يوقظ فينا سؤالاً عن ماضٍ نكاد ننساه، لكنه ما يزال حيًا في الصخر والروح.”
لوحات دجيمي ليست فقط تمثلات فنية، بل مواقف فكرية أيضاً، تطرح سؤال الارتباط بالأرض وبالرمز، وتسائل علاقة الإنسان بذاكرته الجماعية. رسوماته تستحضر مشاهد منسوجة من الأساطير، من الرقص، من الطقوس، ومن لحظات الوجود المنسية في كثبان الجنوب.
سيرج فيلي (Sirj): عدسة شاعرية تكتب المغرب بلغة الضوء
على الضفة الأخرى من المعرض، يستعرض سيرج فيلي، الذي يوقع أعماله باسم “Sirj”، نظرة رقمية وشاعرية إلى المغرب. صوره المعالجة بعناية تلتقط جوهر الحياة المغربية بألوان زاهية، ونسيج بصري يأرجح بين الواقعي والمتخيل.
من قصبات الجنوب إلى أزقة المدن العتيقة، من أسواق فاس إلى أقمشة الحرفيين، يُكرّم Sirj الإنسان والمكان بلغة بصرية مفعمة بالدفء. صوره ليست توثيقاً بالمعنى الفوتوغرافي التقليدي، بل تأويلات فنية تُمجّد التفاصيل المهملة، وتمنح للأشياء العادية بُعداً جمالياً عميقاً.
أعمال الفنان الفرنسي تُقسم إلى أربعة محاور رئيسية أولها المناظر الطبيعية المغربية من أودية، جبال، وفضاءات مفتوحة ترسم بملمسها الضوئي تضاريس الوطن. وثنيها المعمار والمدن العتيقة مثل فاس، مكناس، صفرو، وليلي… مدن تنبض بجمالها الطيني والزخرفي وثالثها مشاهد من الحياة اليومية التي تخوص في الإنسان كموضوع، كذات، وكإيقاع يومي لا يخلو من الدهشة. وأخيرا الألوان والخامات مثل التراب والخشب والقماش، ليس فقط كمواد، بل كلغة مرئية تُحاكي الحواس.
لقاء عابر للهويات
“انطباعات مغربية” ليس معرضًا تقليديًا، بل هو لقاء بين فنانين مختلفين تمامًا في المرجعية والأسلوب، جمعهما المغرب كموضوع وكمصدر للدهشة. إنه دعوة للتأمل في تعددية هذا البلد، وغناه البصري والروحي.
في تصريح للمنظمين، أكدت جمعية إزوران نوكادير أن المعرض هو “بطاقة بيضاء للعاطفة، ورسالة حب لفن مغربي منفتح على العالم، يحتفي بجذوره ويبتكر لغته الخاصة”.
المعرض مستمر إلى غاية نهاية الأسبوع المقبل، ويفتح أبوابه للعموم يوميًا من الساعة العاشرة صباحًا إلى السابعة مساءً.
المصدر: العمق المغربي