انخفاض الوافدين يهدد السياحة المغربية والغلاء يدفع الجالية لاختيار وجهات بديلة
يشهد القطاع السياحي المغربي تحولات ملحوظة، خاصة مع عودة مغاربة المهجر إلى بلدهم خلال فترة العطلة الصيفية. إلا أن هذا الموسم يعرف تغيرات جوهرية، حيث عبر عدد من مغاربة المهجر عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن استيائهم المتزايد من ارتفاع الأسعار بشكل كبير في مختلف الخدمات السياحية، مما يدفعهم إلى إعادة النظر في خياراتهم وتفضيل وجهات سياحية أوروبية أقل تكلفة.
وتؤكد الأرقام الرسمية وجود تراجع في عدد المغاربة العائدين من الخارج مقارنة بالسنوات السابقة، حيث استقبلت الموانئ المغربية حتى منتصف الشهر الجاري حوالي 1.33 مليون مسافر و317 ألف سيارة، بينما غادر حوالي 570 ألف مسافر و130 ألف سيارة في اتجاه أوروبا عبر الموانئ المغربية، مقابل ما يقارب مليوني مسافر في السنة الماضية.
هذا التحول في سلوكيات مغاربة المهجر يثير تساؤلات جدية حول جاذبية الوجهة المغربية، وكيفية استجابة القطاع السياحي لتطلعات هذه الشريحة الهامة من الزوار. فارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه، وعدم توفير خدمات ذات جودة عالية، يهددان بتقويض المكتسبات التي حققها القطاع السياحي المغربي على مر السنين.
وفي هذا السياق، أكد محمد سعيد الطاهري، فاعل في القطاع السياحي، أن انخفاض عدد الوافدين من مغاربة المهجر في إطار “عملية مرحبا” سيؤثر بلا شك على السياحة المغربية ككل، وقد ينعكس سلبًا على صورة السياحة الوطنية.
واعتبر الطاهري في تصريح لجريدة “العمق” أن المغرب يتمتع بمؤهلات سياحية عديدة تجعله واحدًا من أفضل الوجهات في منطقة البحر الأبيض المتوسط، إلا أن الممارسات غير المسؤولة قد تُضعف هذا التميز.
وأشار الطاهري إلى أن مغاربة العالم لا يعودون فقط بغرض السياحة، بل يأتي جزء كبير منهم لزيارة الأقارب وتعريف أبنائهم بهويتهم المغربية. وأضاف أن عدد الوافدين من مغاربة العالم شهد ارتفاعًا ملحوظًا في عامي 2022 و2023، بعد تخفيف القيود المرتبطة بإغلاق الحدود عقب أزمة الحجر الصحي.
ورغم هذا الانتعاش، يمثل الارتفاع الكبير في الأسعار تحديًا آخر، حيث يقول الطاهري: “من الضروري إيجاد حل لارتفاع الأسعار، لكن قانون حرية الأسعار يسمح لمقدمي الخدمات بتحديد الأسعار التي يرغبون فيها، مما يجعل موازين العرض والطلب تتحكم في السوق”.
ورغم هذا التفسير القانوني، يحذر المدير العام السابق للكونفدرالية الوطنية للسياحة من أن هذه الزيادات قد تؤثر سلبًا على صورة المغرب كوجهة سياحية ذات تكلفة منخفضة وتنافسية عالية.
وأضاف الطاهري أن على السلطات المغربية التدخل لإيجاد حلول مناسبة لهذا التحدي، مشيرًا إلى دور الفاعلين المدنيين في المجال السياحي في تنظيم حملات توعوية وتحسيسية لتنبيه العاملين في هذا القطاع.
وتابع قائلاً: “هذه الممارسات تشمل فئة صغيرة من العاملين في القطاع الفندقي، الذين يستغلون موسم الصيف لرفع أسعار منتجاتهم بشكل غير معقول.”
واختتم الطاهري تصريحه بالتأكيد على أهمية توعية هذه الفئة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، مع إمكانية تدخل السلطات لمراقبة الأسعار، مؤكدًا أن مثل هذه الممارسات تضر بالقطاع السياحي وتسهم في إفشال مجهودات العاملين الذين يسعون لتقديم صورة إيجابية عن المنتوج المغربي.
في سياق متصل، أعرب المحلل الاقتصادي عمر الكتاني في تصريح سابق لـ”العمق” عن قلقه إزاء التراجع المسجل في دخول مغاربة المهجر إلى أرض الوطن، محذرًا من تأثيره السلبي على احتياطي العملة الصعبة الذي تعتمد عليه البلاد بشكل كبير.
وأضاف الخبير الاقتصادي أن غياب مراقبة الأسعار وارتفاعها بشكل ملحوظ جعل مغاربة المهجر غير قادرين على زيارة بلادهم، مشددًا على أن الدولة هي الجهة الوحيدة التي تملك القدرة على مراقبة الأسعار واتخاذ التدابير اللازمة للحد من هذا الارتفاع.
وأكد الكتاني أن هذا الغلاء سيؤدي إلى تقديم صورة سلبية عن المغرب كبلد غالٍ يصعب العيش فيه، مما يتعارض مع الخطوات التي تتخذها الدولة لاستضافة فعاليات رياضية عالمية مثل كأس العالم، التي تهدف إلى جذب السياح الأجانب.
وأشار المحلل إلى أن مغاربة الخارج بحاجة إلى مؤسسة تحميهم من التداعيات السلبية للغلاء، خاصة وأن هناك قطاعًا استثماريًا يعتمد بشكل كبير على تحويلاتهم المالية.
المصدر: العمق المغربي