تتفاقم الأزمة في السودان مع استمرار الحرب الأهلية بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023، حيث أودت بحياة أكثر من 150 ألف شخص وتسببت في نزوح 14 مليوناً، بينما يواجه 30 مليون سوداني انعدام الأمن الغذائي، وفق تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) لعام 2025.
الانتهاكات الموثقة، بما في ذلك استخدام أسلحة كيميائية، أدت إلى فرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة على الحكومة السودانية، مما يزيد من الضغوط الدولية. في خضم هذه الفوضى، تتصاعد الخلافات داخل سلطة الانقلاب، حيث تسعى الحركة الإسلامية، من خلال عودة صلاح قوش، إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي، مما يكشف عن صراع أجنحة يهدد بتعميق الأزمة الإنسانية والسياسية.
العقوبات الأمريكية واستخدام الأسلحة الكيميائية
أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في 22 مايو 2025 فرض عقوبات على السودان بسبب استخدام الجيش أسلحة كيميائية، بما في ذلك غاز الكلور، خلال 2024، وفق قانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لعام 1991، وستشمل العقوبات، التي تدخل حيز التنفيذ في 6 يونيو 2025، قيوداً على الصادرات الأمريكية وخطوط الائتمان، وتجميد أصول قادة مثل عبد الفتاح البرهان.
المتحدثة تامي بروس أكدت في بيان أن “السودان انتهك اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية لعام 1993″، داعية الحكومة إلى وقف استخدام هذه الأسلحة.
كان تقرير “نيويورك تايمز” في يناير الماضي وثّق استخدام الجيش للأسلحة الكيميائية مرتين على الأقل في مناطق نائية، مع مخاوف من توسيع استخدامها في الخرطوم، بينما دعم تقرير “واشنطن بوست” هذه الرواية بصور أقمار صناعية وشهادات ميدانية ، فيما منظمة “هيومن رايتس ووتش” طالبت بتحقيق عاجل من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، مشيرة إلى أن الأدلة “ذات مصداقية كافية”، بينما عبرت منظمة العفو الدولية عن قلقها، داعية إلى مساءلة المسؤولين.
خلافات سلطة الانقلاب وعودة صلاح قوش
تشهد سلطة الانقلاب انقسامات حادة بين الجيش والحركة الإسلامية، التي تسعى لاستعادة هيمنتها بعد إخفاقات البرهان في إدارة الحرب والامتثال لتوجيهاتها. عودة صلاح قوش، القيادي البارز في الحركة الإسلامية ومدير جهاز المخابرات الأسبق، جاءت كتحرك استراتيجي لإعادة توجيه السلطة من خلال شبكة خفية في الخرطوم.
وفق مصادر “سودان تريبيون” (مايو 2025)، يقود قوش جهوداً لتوحيد الفصائل الإسلامية المتطرفة والضغط على البرهان للتنحي، مستغلاً استياء الحركة من رفضه تعيين رئيس وزراء موالٍ وتداعيات العقوبات الأمريكية.
الناشط هشام عباس علق لـ”راديو دبنقا” قائلاً: “قوش يعمل كمهندس للإسلاميين لاستعادة النفوذ، لكن خطواته قد تؤدي إلى انهيار شامل”. هذه الخلافات تغذي نفوذ الكتائب المتطرفة، مثل كتيبة البراء، التي وثّقت “هيومن رايتس ووتش” تورطها في إعدامات عرقية، مما يزيد من الفوضى ويعرقل جهود السلام.
تفاقم الأزمة الإنسانية
دخلت الحرب عامها الثالث، مخلفة أزمة إنسانية غير مسبوقة، حيث أفادت “أوتشا” (مايو 2025) بتفاقم النزوح بسبب تصاعد القتال في الخرطوم ودارفور، مع نزوح 47,000 شخص من الخوي والنهود و1,000 من مخيم أبو شوك والفاشر.
ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانقطاع الكهرباء الناجم عن هجمات طيران الجيش على البنية التحتية، كما وثقت تقارير “أوتشا”، زادا من معاناة المدنيين. كما أشار تقرير الأمم المتحدة إلى أن 13% فقط من التمويل المطلوب (4.2 مليار دولار) لخطة الاستجابة الإنسانية قد تم توفيره، مما يعيق جهود الإغاثة.
دور المغرب في الأزمة
يبرز المغرب كفاعل إقليمي مهم في مواجهة الأزمة السودانية، مستفيداً من موقعه كعضو في الاتحاد الأفريقي وعلاقاته الدبلوماسية مع السودان. الحكومة المغربية، التي طالبت بتكثيف الجهود الدولية للضغط على الجيش السوداني للإذعان لمطالب السلام، دعت إلى حماية المدنيين وفتح ممرات إغاثة. في تصريح خلال اجتماع الاتحاد الأفريقي في فبراير ، أكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة: “الأزمة السودانية تهدد استقرار المنطقة، ويتعين فرض عقوبات مستهدفة على المتورطين في الانتهاكات لدفعهم نحو الحوار”.
المغرب، الذي يستضيف حوالي 10,000 لاجئ سوداني وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة (2024)، تأثر اقتصادياً بانخفاض الصادرات الزراعية السودانية، مما يؤثر على الأسواق المغربية . الرباط ساهمت بـ5 ملايين دولار في برامج إغاثة الأمم المتحدة عام 2024، ودعت إلى تحقيق دولي بقيادة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية للتحقق من استخدام الأسلحة الكيميائية، كما وثقت “نيويورك تايمز” (يناير 2025). الجالية السودانية في المغرب، بدعم منظمات مثل “المبادرة المغربية للتضامن”، نظمت احتجاجات للمطالبة بحماية المدنيين، مشددة على ضرورة مساءلة المسؤولين عن الجرائم، كما دعا الناشط السوداني سلمى إبراهيم في لندن: “العالم يصمت بينما المدنيون يعانون”.
المصدر: العمق المغربي