انتقادات مهنية تلاحق الإجراءات الفلاحية الاستعجالية لخفض أسعار المواد الغذائية
في ظل ما يثار بشأن الارتفاعات المتصاعدة لأسعار المواد الغذائية الأساسية، وتصاعد القلق بشأن الأمن الغذائي، تثار تساؤلات ملحّة حول فعالية السياسات الفلاحية التي تتبناها الحكومة المغربية لدعم الفلاحين وضمان استدامة الإنتاج المحلي وتحقيق الأمن الغذائي.
نائب الكاتب العام للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، إدريس عدة، أشار إلى جملة من التساؤلات حول فعالية الإجراءات الفلاحية الأخيرة التي اتخذتها الحكومة المغربية لدعم الفلاحين وحماية الأمن الغذائي، وذلك في أعقاب تصريحات وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، بخصوص ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء.
وأوضح عدة، في تصريح لجريدة “العمق”، أن التدابير الاستثنائية التي تركز على دعم أسعار اللحوم وتقديم دعم استثنائي للأعلاف ليست كافية لتحقيق الأمن الغذائي أو دعم الفلاحين المتضررين، حيث وصفها بأنها “كمن يصب الماء في الرمل”، لعدم تحقيقها أي نتائج ملموسة على أرض الواقع.
وكان وزير الفلاحة والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، قد كشف أسباب ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالأسواق، موضحا أن هذا الارتفاع يعود إلى انخفاض العرض وتراجع أعداد رؤوس الماشية نتيجة لتدهور الغطاء النباتي بفعل قلة التساقطات وارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة.
وأوضح البواري، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، الاثنين الماضي، أن الحكومة اتخذت إجراءات متعددة للتخفيف من آثار هذه الأزمة، منها تعليق رسوم الاستيراد على بعض أنواع العجول والأغنام، ودعم أسعار الأعلاف، ومنع ذبح إناث الأبقار الموجهة للتوالد للحفاظ على القطيع الوطني، إلا أنه شدد على أن هذه الإجراءات مؤقتة وليست حلولًا مستدامة.
في هذا الصدد، أشار نائب الكاتب العام للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، إلى أن البرامج الاستعجالية المرتبطة بتدبير الجفاف قد تم تجريبها سابقًا ولم تؤدِ إلى نتائج فعّالة، مشيرًا إلى أن هذه الإجراءات لا تنفذ بشكل مستدام ولا تضمن الحفاظ على القطيع الوطني ولا الإنتاجية الزراعية المطلوبة.
وشدد عدة على ضرورة إعادة النظر في السياسات الفلاحية الحالية، معتبرًا أن التدابير المستعجلة غير كافية لمعالجة التحديات الأساسية التي تواجه القطاع الفلاحي في المغرب، خاصة في ظل التغيرات المناخية.
وأضاف عدة أن السياسات المتبعة حتى الآن لم تراعِ التحولات المناخية الهيكلية التي تؤثر بشكل كبير على الموارد الطبيعية واستدامة القطاع الفلاحي، موضحًا أن هذه الفئة هي الأكثر تأثرا بتقلبات المناخ وارتفاع تكاليف الإنتاج.
واعتبر عدة أن تقييم السياسات الفلاحية لا بد أن ينطلق من ثلاث محددات رئيسية هي التغيرات المناخية، والأمن الغذائي، والتنمية القروية.
ولفت إلى أن هذه المحددات تشمل التحديات المناخية مثل الجفاف، والحفاظ على الأمن الغذائي للمغرب، وتحسين الأوضاع المعيشية للفلاحين الصغار والعمال الزراعيين الذين يُعتبرون المنتجين الأساسيين في الدورة الإنتاجية الفلاحية.
وشدد عدة على ضرورة معالجة هذه التحديات بمنهجية جديدة تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات المناخية والأمن الغذائي والتنمية القروية، مضيفًا أن القطاع الفلاحي يحتاج إلى استراتيجيات طويلة الأمد تلبي السيادة الغذائية وتدعم الإنتاج المحلي.
وأكد عدة على الحاجة الملحة لتوفير الدعم للفلاحين الصغار، خاصة في المناطق البورية والمناطق السقوية، الذين يُمنعون من حفر الآبار أو توسيعها لحماية ما تبقى من إنتاجهم الزراعي. داعيا إلى اتخاذ إجراءات هيكلية لدعم هؤلاء الفلاحين في ظل التحديات البيئية المتزايدة.
وأضاف أن التغيرات المناخية تتطلب تأقلما ومواجهة فعّالة، وهو ما لم يتم تحقيقه حتى الآن، منتقدًا السياسات المائية التي وصفها بأنها تؤدي إلى هدر كبير للمياه. واعتبر أن السياسات الفلاحية التي تبنتها الدولة كانت تستهدف بشكل أساسي الفلاحة التصديرية، متجاهلة الرهانات الحقيقية لتأمين احتياجات المواطنين من الغذاء.
وفي تعليقه على ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، أشار عدة إلى أن السياسات الفلاحية المتبعة لم تتمكن من تأمين الحد الأدنى من الغذاء، إذ يشهد المستهلك المغربي ارتفاعا غير مسبوق في أسعار الخضر والفواكه واللحوم.
واعتبر أن الأسعار المرتفعة تعكس عجز السياسات الفلاحية عن توفير السلع الغذائية بأسعار معقولة، ما يجعل الأمن الغذائي في المغرب مهددًا.
كما أبرز المتحدث عدة عددًا من الملفات العالقة التي تحتاج إلى حلول جذرية، مثل النظام الأساسي لمستخدمي المكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي والنظام الأساسي لمستخدمي المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، والنظام الأساسي لمستخدمي الوكالة الوطنية للتنمية الفلاحية.
وأفاد بأن هناك مطالب اجتماعية وإدارية عدة لم تجد طريقها للحل، من بينها مطالب تتعلق بالأعمال الاجتماعية، وتعديل الأنظمة الأساسية التي باتت متجاوزة من الناحية الإدارية، مؤكدا على ضرورة حماية الموظفين أثناء القيام بمهامهم ومراجعة مشكل الحد الأدنى للأجور في القطاع.
المصدر: العمق المغربي