يدخل المغرب مرحلة دقيقة من تاريخه المعاصر، حيث تتقاطع رهانات كبرى على المستويات الرياضية والاقتصادية والسياسية. فالمملكة مقبلة على احتضان تظاهرات رياضية عالمية، وعلى استكمال مشاريع اقتصادية كبرى ذات بعد استراتيجي، وهو ما يضعها أمام واجب الارتقاء بمؤسساتها التمثيلية حتى تكون في مستوى هذه الطموحات. وفي هذا السياق، يصبح تنظيم انتخابات برلمانية نزيهة وشفافة شرطا أساسيا لتعزيز الثقة، سواء داخل الوطن أو خارجه.
فالشباب المغربي اليوم لا ينظر إلى العملية الانتخابية باعتبارها مجرد واجب دستوري، بل يتعامل معها كفرصة تاريخية لإعادة صياغة المشهد السياسي على أسس جديدة. إنهم يبحثون عن برلمان يضم وجوها قادرة على الدفاع عن قضاياهم الجوهرية: التشغيل، التعليم، العدالة الاجتماعية، والحق في بيئة سليمة. وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن للأحزاب السياسية أن تستعيد ثقة هؤلاء الشباب، وهم الفئة الأكثر عددا والأكثر طموحا؟
الجواب يكمن في القطع مع الخطاب الخشبي والوعود الجوفاء، والانفتاح على الكفاءات الحقيقية القادرة على ترجمة طموحات المجتمع إلى سياسات عمومية ناجعة. فالانتخابات ليست سباقا لتوزيع المقاعد، بقدر ما هي تعبير عن إرادة جماعية في بناء مغرب يليق بمكانته الإقليمية والدولية. ولا يمكن أن نتصور نجاح المغرب في رهاناته الرياضية والاقتصادية دون أن يوازيها نجاح سياسي ومؤسساتي يعزز صورة البلد كفضاء ديمقراطي واعد.
إن تنظيم انتخابات برلمانية في مستوى اللحظة التاريخية، يعني أولا احترام الإرادة الشعبية وصيانة نزاهة العملية الانتخابية من كل الشبهات، وثانيا، جعل البرلمان مؤسسة حقيقية للرقابة والتشريع وصوتا صادقا للمواطنين، وثالثا، فتح المجال أمام الطاقات الشابة للمشاركة الفعلية في صناعة القرار السياسي. فالشباب الذين يرفعون راية المغرب في الملاعب العالمية، هم أنفسهم الذين ينتظرون برلمانا يرفع راية مطالبهم في قبة المؤسسة التشريعية.
لقد أثبت المغرب عبر تاريخه الحديث أنه قادر على خوض معارك كبرى وتحقيق مكاسب استراتيجية، لكن التحدي الأعمق اليوم هو بناء ديمقراطية قوية ومتجددة تعطي معنى لكل إنجاز اقتصادي أو رياضي. ومن ثمة، فإن الانتخابات المقبلة ليست محطة عادية، بل هي امتحان لإرادتنا الجماعية في أن نكون في مستوى اللحظة، وأن نبرهن للعالم أن المغرب بلد قادر على الجمع بين الإنجاز المادي والارتقاء السياسي.
إن الرهان إذن ليس فقط على من سيفوز بالانتخابات، بل على أن ينتصر المغرب لديمقراطيته ولشبابه، وأن يفتح الباب واسعا أمام مستقبل يليق بمقامه بين الأمم.
المصدر: العمق المغربي