اليوم العالمي للمعلم .. مناسبة لإعادة الاعتبار للمعرفة في زمن التفاهات والشعبوية
يحتفي العالم في خامس أكتوبر من كل عام باليوم العالمي للمعلم، الذي تم إقراره منذ عام 1994 بناء على توصية من هيئة “اليونسكو” ومنظمة العمل الدولية. وتمثل هذه الذكرى التي اعتمدتها الكثير من دول العالم بشكل رسمي فرصة لاستحضار أدوار وجهود هذه الفئة داخل المجتمعات، ومناسبة للالتفات إلى مختلف المشاكل والإكراهات التي تواجهها.
ويمثل المعلم أحد المرتكزات التي تقوم عليها منظومة التربية والتعليم، وأحد العناصر الداعمة للحق في التعلّم. ولا تخفى جهود هذه الفئة على مستوى تربية وتنوير وتكوين النشء، وتطوير المجتمعات، ذلك أن الكثير من الأجيال تدين لها بالامتنان.
وعلاوة على العملية التعليمية التي يزاولها، لا تخفى جهود المعلم في ما يتعلق بترسيخ القيم المجتمعية والثقافية، والتربية على الحوار واحترام الرأي الآخر، ونبذ السلوكيات المتطرفة والعنيفة، والتربية على المواطنة بما تحيل عليه من حقوق وواجبات.
لقد حظي المعلم بمكانة مهمة لدى الكثير من الحضارات الكبرى التي بصمت تاريخ الإنسانية بإسهاماتها العلمية والفكرية، حيث أولته عناية كبيرة، اعتبارا للأدوار التي يقوم بها على مستوى التربية والتلقين والتكوين وتطوير المهارات.
ومن منطلق الدور المحوري الذي يقوم به المعلم داخل المنظومة التعليمية والتربوية، أولاه الإسلام كما باقي الديانات السماوية مكانة هامة داخل المجتمع، بل وأحاط مهامه بقدر من القدسية والاحترام، انسجاما مع جهوده في ما يتعلق بتنوير النشء وتلقينه مختلف العلوم والثقافات، وتوجيهه نحو نور الفكر والمعرفة؛ فقد تضمن القرآن الكريم عددا من الآيات التي تسمو بالعلم والعلماء، وتؤكد على مكانتهم ومسؤولياتهم داخل المجتمع.
وقد حرصت كل من منظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم (اليونسكو)، منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، على طرح مجموعة من التوصيات الداعمة لعمل المعلمين، حيث تم التأكيد على أهمية توفير شروط عمل مناسبة تليق بمهام التربية، ومنح وظيفة التعليم المكانة التي تستحقها من لدن السلطات العمومية، بحيث تشجع فعالية العملية التعليمية، وتتيح للمعلم الانكباب على مهامه في أحسن الظروف؛ مع الاعتراف للهيئات التمثيلية للمعلمين بالمساهمة في تطوير النظم التعليمية والتربوية، وفي رسم السياسات العامة ذات الصلة بهذا الخصوص، وإعطاء المؤسسات التعليمية بكل مستوياتها الحصانة والاحترام اللائقين، من حيث تطوير البرامج والمناهج الناجعة والحديثة، والبنى التحتية المناسبة؛ علاوة على تمكين المعلمين من شروط العيش الكريم. فيما تم التأكيد أيضا على أهمية اضطلاع المعلم بواجباته، من خلال توخّي المسؤولية والقيم العالمية عند تأدية المهام، واستحضار مصالح التلاميذ، ووضع ميثاق أخلاقي يعزّز مبادئ وأخلاقيات المهنة.
إن تعزيز مكانة المعلم داخل المجتمع لا تتأتى فقط من خلال المبادرات التي يمكن أن تقوم بها الدولة في هذا الخصوص، في ارتباط بتحسين الوضعية المادية لهذه الفئة، أو توفير الشروط القانونية والإدارية والتقنية لاشتغالها في ظروف إنسانية ومناسبة، بل يتجاوز ذلك إلى إرساء ثقافة تؤمن بأهمية ومكانة العلم وبرسالة التعليم، والثقة في دور المعلم على مستوى المساهمة في تطوير المجتمعات.
جدير بالذكر أن منح المعلم الاهتمام والعناية المطلوبين هو ترسيخ لثقافة الاعتراف بالجميل، ومدخل أساسي لإعادة الاعتبار للعلم والمعرفة في زمن طغت فيه التفاهات والشعبوية مع تطور وسائل الاتصال الحديثة، وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي.
إن المراهنة على المعلم كمكون للأجيال هي مراهنة على العلم والأخلاق في كسب رهانات التقدم والاستئثار بمكانة لائقة بين الأمم، فقد أولت الكثير من الدول العناية الفائقة للمعلم، احتراما لرسالته، وتكريما لجهوده، ومراهنة على دوره في إعداد الأجيال الصالحة الكفيلة بتحقيق التطور والنمو، وهو ما ينطبق على عدد من الدول المتقدمة، كاليابان والنرويج، التي تحرص على تطوير مهارات المعلم، وتحفزه على القيام بمهامه على أحسن وجه.
إن مهام الأستاذ في مضمونها تتجاوز كونها وظيفة إلى رسالة نبيلة داخل المجتمع. والحقيقة أن عالما المعاصر أضحى بحاجة ملحة إلى بذل مزيد من الجهود في سبيل تكريم هذه الفئة ومنحها المكانة اللائقة، لتساهم في إعداد أجيال في مستوى التحديات المختلفة التي تواجه الإنسانية.
المصدر: هسبريس